بعث وزير الصحة الوزير الطموح مشكورا قبل عدة أيام بريدا إلكترونيا إلى موظفي الصحة على «إيميلاتهم» الرسمية يذكر لهم فيه تخييرهم بين الانضمام إلى نظام «التشغيل الذاتي» أو بقائهم تحت مظلة الخدمة المدنية.

كان «الإيميل» جذابا جدا، ويحتوي على عبارات محفزة مشوقة، لكن المشكلة أن هذا «الإيميل» المشوق كان ناقصا جدا من ناحية تبيان ما بداخله أصلا.

لم يذكروا في هذا «الإيميل» ولو فرقا بسيطا بين الخصخصة ونظام الخدمة المدنية، فكأنك أمام متاهة ولك الخيار بين الطريق x والطريق y دون أن تعلم ماذا وراءهما..

من المعلوم أن بعض القطاعات قد سبقت الصحة إلى ذلك، لكن القياس في مثل هذا صعب، فشتان بين وزارة ووزارة من نواحٍ عديدة كحجم الميزانيات وحاجة السوق، وموقف المستهلك منها، ودرجة حاجته إليها، وأمور أخرى.

يا ترى ما الذي سوف يفقده الموظف عندما ينتقل من نظام الخدمة المدنية ويلتحق بالتشغيل الذاتي، ما الميزات المتحصلة وما السلبيات أيضا؟ هل هناك زيادة في الرواتب مثلا، هل الأمان الوظيفي عندما يكون بيد الشركة المشغلة ما زال حيا؟! أم أنه يمكن الاستغناء عن هذا الموظف تحت أي ظرف من ظروف تدني ميزانية تلك الشركة؟! أو حتى تدني مزاج رئيسه المباشر؟!

هل ستحفظ حقوق الموظف في ظل هذه الشركات، أم أنه ربما رأسه في عمله من لا يراه -هو- أهلا لذلك؟! وهل سيلي الأمر أهله فقط أم سيبقي «مساعدا صحيا» مديرا على طاقم طبي وهو أقلهم درجة وظيفية؟! هل سيبقى بعض الأطباء خلف مكاتبهم الفخمة التي بقوا خلفها عشرات السنين أم سيجتاحهم طوفان العدل فيرغمهم على ممارسة «عملهم»، هل ستبقى هذه «البصمة» المشؤومة التي صيرت الموظف جسدا لا روحا، أم سيكون هناك بدائل ومعايير إنجاز وجودة محفزتين، هل ستبقى الإجراءات الإدارية تعمل «بالديزل» والروتين الممل..

هل صحيح أن حقوق الموظفين من بدلات تعطلت سنين طويلة، وحرم منها مستحقوها «بلا حجة»، سيتمكن الموظف من أخذها بعد وقت وجيز في ظل الخصخصة، وهل فعلا سترتفع رواتب الموظفين، خصوصا في ظل ارتفاع «كل شيء»؟! وهل سيكون هناك تأمين صحي للموظف وعائلته «فعال»، وهل ستكون هناك مساواة في فرص انتدابات «الحج» مثلا التي أصبحت «حلما من الأحلام» إلا على بعض الرقاب التي أصبحت عادة لها سنوية؟ وهل سيعطى موظف الصحة حقه عندما يعتدي عليه مريض في عيادته ويصفعه كما تصفعه الحياة كفا وراء آخر أم أن المريض أولا؟! وهل ستتغير -ولا أقول تتحسن- خدمات المستشفيات والمراكز الصحية فتتوفر الأدوية وعقارات التخدير في عيادات الأسنان ولقاحات الأطفال التي عانت سنين من الغياب «Hep A vaccine»، وهل سيجد المريض أدوية لا أقول سويسرية أو فرنسية، ولكن من شركات سعودية بدلا من أدوية الإمارات وعمان، وهل ستتوفر تلك الأدوية التي نعلم ألا بديل لها مثل «رواكول»، أو تلك التي لا يمكن الاستغناء عنها يوميا كأدوية الضغط والسكري التي تشهد نقصا حادا اليوم، وهل وهل وهل والأسئلة كثيرة، ولا يعلم من منها سيحصل على «لا» ومن منهم «نعم»..

إن نقلة نوعية لوزارة ضخمة كهذا الذي يراد له أن يحدث لا بد أن يسبقها تبيان واضح لموظف ومريض ومجتمع، فليس صحيحا أن تدخلني «القرعة» وتغمض عيني وتقول اختر جمرة أو تمرة.