قبل عقد بدأ مشروع الملك عبدالله ـ طيب الله ثراه ـ لتطوير مرفق القضاء، وكان مشروعا نوعيا، ومن إنجازاته زيادة عدد كتاب العدل ليستوعب عدد السكان المتزايد، وكذلك زيادة عدد مباني المحاكم، بالإضافة إلى بعض التغييرات القانونية التي طرأت على القضاء، وكان من أهمها تقسيم المحاكم من درجة أولى فقط سابقا إلى محاكم استئناف وعليا، سواء في القضاء العام وقضاء المظالم وغير ذلك من إنجازات كثيرة. إلا أن الملاحظ في القضايا المطروحة مؤخرا، والتي نشر بعضها في الإعلام، سواء في قضاء المظالم أو القضاء العادي، أن هناك تباينا بين الجوهر الشكلي، والجوهر الموضوعي لهذا التقسيم الجديد للمحاكم. جوهر زيادة درجات التقاضي هو ضمان العدل، ضمان ألا يحكم على المتهم البريء حتى تثبت إدانته بعد استيفاء كافة طرق الاعتراض على الحكم، سواء كان بشكل تقليدي أو غير تقليدي، لذلك فإن المشرع السعودي حرص كثيرا على تجنب الظلم ولو كان من خلال إطالة إجراءات التقاضي، فالأولى هنا عدم الظلم. سوء الفهم لدى بعض الناس أدى إلى أنهم خلطوا بين معنى الاستئناف ومعنى التمييز في ظل التقسيم الجديد، فأصبح الاستئناف وهو المعني في مشروع تطوير القضاء تمييزا، الاستئناف هو طريق اعتراض تقليدي، يعترض به المدعي أو المدعى عليه على الحكم الصادر من المحكمة الجزائية (الدرجة الأولى) كمثال أمام محكمة أعلى من تلك التي أصدرت الحكم، وهي محكمة الاستئناف. ومن ثم، فمحل سلطة الاستئناف ليس «حكم المحكمة الجزائية» الجانب الإجرائي، بل الجانب الموضوعي منها القضية نفسها التي نظرها قاضي أول درجة. أما ما يكون في الحكم المعترض عليه من عيوب سواء اتصلت بعدالته أو بصحته فإنها تواجه في الاستئناف بطريق غير مباشر. فالمحكمة الاستئنافية لا تبحث ولا تحاكم حكم محكمة أول درجة لتراقب صحته أو عدالته، وإنما هي تبحث القضية من جديد (كمحكمة موضوع)، أي تبحثها للمرة الثانية بذات السلطات التي كانت مخولة لمحكمة الدرجة الأولى (فكلاهما محكمة موضوع)، تبحث الوقائع، وتعيد تقدير الأدلة إلى آخره. فحتى لو كان حكم أول درجة معيباً فإن محكمة الاستئناف تبحث موضوع القضية مباشرة دون حاجة إلى بحث عيوب هذا الحكم، وهي عندما تصدر حكماً في هذا الموضوع فإنه يحل محل حكم أول درجة، ويكون هو الحكم الوحيد في القضية، أما محكمة التمييز فتراقب فقط صحة الحكم وعيوب تسبيبه دون الدخول مباشرة في حيثيات القضية، وهذا حاليا من اختصاص المحكمة العليا. لذا للأسف تجد البعض يدققون الحكم وكأنهم محكمة تمييز، سالخين بذلك اختصاص المحكمة العليا، وهذا في اعتقادي لبس يحتاج إلى التوضيح.
سوء الفهم يكمن في عدم التأهيل القانوني بشكل كاف من خلال التعليم والتدريب على أحدث الممارسات، لذا يجب على وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء الاهتمام بهذا الجانب المهم من العملية العدلية.