تساءلت وسائل الإعلام «التقليدية» لفترة وجيزة عما تقوم به القوات الأميركية في النيجر في المقام الأول. وقد أعقب هذا التساؤل مناقشة مسيّسة بشأن الطريقة التي ينبغي أو لا ينبغي أن يتعامل بها القائد العام الأميركي مع أقرباء العسكريين الأميركيين الذين قتلوا أثناء أداء الواجب في تلك المنطقة. وقد ظهر عدة نقاد على موجات الأثير لشرح أن القوات العسكرية الأميركية في حاجة ماسة إلى إفريقيا في مكافحة الإرهاب. وقالوا إن السياسات الخارجية والدفاعية الأميركية كثيرا ما تهمل إفريقيا، وإنه يجب زيادة الالتزام العسكري الأميركي هناك.

في الواقع إنهم مخطئون، حيث إن الطائرات دون طيار والقوات الخاصة لا يُرجح أن تنهي «الإرهاب» في إفريقيا أكثر مما هو عليه في أفغانستان وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط، بل العكس، فإنها قد تزيد أعمال «الإرهاب» بشكل أوسع، ناهيك عما قالت الكاتبة والناشرة الأميركية كاترينا فاندن هيوفيل بأن الانتشار الواسع النطاق إلى حد ما في إفريقيا سيكون غير دستوري.

يبدو أننا نواجه نموذجين متناقضين لسياسة أميركا والصين في إفريقيا. تتخذ واشنطن نهجا عسكريا، مع التركيز على مكافحة الإرهاب، بينما تتخذ بكين نهجا مُركزا على مجال البنية التحتية الداعمة لتنمية القارة. فقبل بضعة أشهر انتهت الصين من تركيب خط سكة حديد جديد يربط بين مُمباسا ونيروبي قبل الموعد المقرر، ووعدت بأن يكون هذا الخط مجرد الخطوة الأولى لنظام يهدف إلى ربط كينيا وأوغندا والكونغو ورواندا وبوروندي وربما جنوب السودان وإثيوبيا أيضا.

وفي تعاون لم يسبق له مثيل شاركت القوتان العظميان بقوة في مسعى تعاوني لمعالجة أزمة صحية خطيرة في إفريقيا، حيث أرسلت كل من واشنطن وبكين موارد كثيرة، بما في ذلك وحدات عسكرية، لمكافحة وباء «إيبولا» الذي هدد ليبيريا وسيراليون وغينيا خلال عام 2014.

ولا عجب أن تؤكد مستشارة الأمن القومي السابقة، سوزان رايس، مرارا على دور الصين في أزمة «إيبولا» خلال مقابلة واسعة أجرتها حول موضوع العلاقات الأميركية الصينية في أواخر أكتوبر 2017. واختتمت المقابلة بوصف المشهد الذي عمل فيه الصينيون والأميركيون معا على مدرج المطار في ليبيريا لتفريغ المساعدات التي تشتد الحاجة إليها من طائرة صينية.

ويمكن للمرء أن يستشهد أيضا بأمثلة أخرى كثيرة على السياسة الخارجية الحميدة للصين، وليس أقلها مبادرة «الحزام والطريق»، كوسيلة لتقدّم آسيا الوسطى والشرق الأوسط وإفريقيا مستقبلا، مبشرا بالخير أكثر من الاضطرابات الراديكالية.

يُمكن للولايات المتحدة أن تفعل كثيراً من الخير في إفريقيا. فقد سبق لها أن بدأت، على سبيل المثال، الجهود المثيرة للإعجاب لمكافحة وباء «الإيدز» الذي بدأه الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش. ويُمكن أن تستفيد إفريقيا من المزيد من المساعدات الطبية الأميركية، فضلا عن الأعمال التكنولوجية والفرص التعليمية، بطبيعة الحال. ويمكن كذلك أن تكمل هذه الأنشطة الجهود الصينية الجارية، ولا يوجد سبب يدعو إلى أن تكون هذه الجهود تنافسية أو صفرية.

 


لايل ج. جولدستين*


* أستاذ الإستراتيجية بمعهد الدراسات البحرية الصينية في كلية الحرب البحرية الأميركية

مجلة (ذي ناشونال إنترست) الأميركية