يواجه كثير من مدارس تعليم البنات مشكلات متعددة، وتقبع في أتون عالم من الأزمات والمخاطر، ولا أدري هل مقاربة تلك الحقيقة المؤلمة تتجاوز مدارس «تعليم جدة» حيث أسكن، إلى المدارس الحكومية في شتى مناطق ومحافظات المملكة؟
وإن كنت أظن أننا كلنا في «الهم شرق»، وأن المنظومة الجمعية -وعيا وإدارة- تجعل النماذج متطابقة. تئن بالأوجاع ذاتها التي سأقارب بعضها في هذا النثار.
(1)
ربما يكون عدد المنتميات إلى مدرسة واحدة أكثر من «600»، بين إداريات ومعلمات وطالبات، يكون مسؤولا عن مشهد «الأمن والسلامة» لتلك المجموعة الهائلة حارس «وحيد»، يتوقف على وعيه ومزاجه أمن العلاقة واتساقها وفعاليتها بين خارج المدرسة ومن هم في الداخل!
ثمة مدارس يترك فيها «الحارس» مكانه، بعد أن يكون قد أحكم إغلاق البوابة الحديدية الخارجية، تاركا من في الداخل تحت رحمة الظروف، فيما لو حدث طارئ من مرض أو حريق أو أي حدث «ممكن»، وفي اللحظة ذاتها فإن ذلك الحارس يكون قطع كل ما يربط هذا العالم المدرسي بمن لهم علاقة بالمغلوب على أمرهم في الداخل، من مشرفات وزائرات وأمهات، يأتين لحاجات يومية طبيعية وملحة!.
وفي مدارس أخرى يترك الحارس مكانه، تاركا الأبواب مشرعة لمن تسول له نفسه المريضة وُلوج ذلك العالم، «كالمريض نفسيا الثلاثيني الذي اقتحم مدرسة ابتدائية، ولم يخرجه منها سوى رجال الشرطة، بعد أن تسبب في فزع وهلع، سيظل في ذاكرة الصغيرات ومعلماتهن إلى الأبد!».
وما تزال ثمة مدارس لا يرى فيها الآباء طيف «حارس»، عندما تضطرهم ظروف الحياة إلى ترك بناتهم في الصباح الباكر جدا، عندما يزدحم الفضاء الملاصق للمدرسة بالعمالة من كل «لون»، ليباشروا أعمالهم اليومية المعتادة، وربما وسوس لأحدهم الشيطان بعمل كارثي «غير معتاد» بالتأكيد!
(2)
وإذا كان الحظ حسنا، وكان ثمة حارس أمين، يظل راعيا لمسؤوليته حتى خروج آخر من في الداخل.
فإن المشكلة الدائمة أبدا هي «التواصل» مع الإداريات أو المشرفات بواسطة الآباء الذين حكمت عليهم ظروف عائلية شتى أن يأتوا بأنفسهم للاستفسار أو المراجعة لأي أمر طارئ، إذ إن جهاز «التليفون» القديم يكون معطلا حينا، أو أن أحدا لا يرد عليه على الإطلاق أحيانا أخرى كثيرة. وإذا عرفت أن الهاتف الجوال للمدرسة أو حتى لإحدى الإداريات لدى «الحارس»، فإنك لا تستطيع أبدا أن تقنع ذلك المغلوب على أمره بالضرورة القصوى للتحدث مع أي إنسان في الداخل، بحسب التوجيهات الصارمة من «قائدات المدارس» لأسباب واهية، منها أن القائدة الموقرة ترى الحديث مع «الرجال» محرما بالقطعية الثبوتية، حتى لأي أمر مصيري يتعلق بطالبة أو عائلتها كلها!
(3)
علاقة معظم المدارس تلك بالمنزل، بأولياء الأمور والأمهات، مقطوعة تماما، إلا من ورقة نادرة وحيدة لأعمال السنة خلال 4 أشهر كاملة!، لا يصل من المدرسة إلى البيت أي شيء على الإطلاق!. لا تقرير بالغياب. لا «إشعار» بضعف المستوى العلمي. لا «شهادات» تقدير للطالبات المميزات اللاتي لا يعبأ بهن أحد «وربما كانت إحداهن شاركت في مسابقات علمية أو أدبية أو فنية عالمية». لا إعلام عن رحلة منسية، أو أيام ثقافية أو مشاركات لأنشطة لا صفية. لا شيء على الإطلاق!.
(4)
ومن الأمور التي باتت مستحيلة في مدارس البنات، أن تستجيب «الإداريات» الموقرات لرغبة طالبة ما في الحصول على بيان «تعريفي بالطالبة»، أو «الرقم الذي يمكن الدخول إلى نظام نور خلاله طلبا للدرجات الفصلية المعطاة»، أو شهادة «حسن سيرة وسلوك»، لتقديمها إلى أحد المراكز أو المعاهد، من أجل مشاركات متنوعة.
ليس لطالبة تلك المدارس أية قيمة معنوية في الذهنية الجمعية للإداريات، إلا من عطاءات إنسانية عاطفية من كثير من المعلمات الرائعات في تعليمنا، واللاتي يدارين بها جفاء «القياديات» المدرسية!.
(5)
حقيقة.. فإن الذهنية التي تتحكم في سلوك «قياديات» معظم المدارس هي ذهنية المفتشة والوصية التي لا هم لها سوى «ضبط» حضور وغياب المعلمات. أما هاجس العمل بمنظومة علمية تربوية متسقة، فهو خارج الاهتمامات الإدارية. كذلك، تغيب مع ذهنية العقاب والمحاسبة تلك، الوفاء للغايات التعليمية الكبرى، والاستجابة لكل بارق «إبداع» يلوح في جبين الطالبات، ثم ينطفئ في كل مرة!.