ما زلت أذكر وأنا طالبة مدرسة ذهولي أمام عدد الصفحات المهول لكل منهج، وهوسنا بالتخطيط وتظليل المهم والمحذوف في نهاية العام الدراسي.

ربينا الطلاب على ذلك حتى وصلوا إلى الجامعة، وما زال يجول بذهنهم السؤال نفسه، «يا أستاذة ممكن نخطط قبل الاختبار؟».

يدل ذلك على علاقة مغلوطة ومتوترة مع المنهج الدراسي، واختلاط كثير من أسس بناء المناهج في أذهان القائمين عليها، إذ تم لبس المنهج بالمقرر، والمهارات بمزيد من المحتوى، من باب اعتقادنا أن مزيدا من المعلومات يعني مزيدا من الفائدة، وأن تعليمنا ببساطة سيصبح أفضل بناءً على عدد صفحات المقرر المدرسي.

الحقيقة التي نأبى أن نتقبلها، هي أن المعرفة عبارة عن وحش خارج عن نطاق السيطرة، ولا يمكن التحكم فيه أبدا، حتى وإن أرسلت مشرفيك إلى المدرسة للتحقق من تغطية عدد الصفحات المطلوبة لكل أسبوع، وحتى إن أرسلت ألف تنبيه وألف مخالفة للمدرسة. الحقيقة الأخرى التي يجب علينا تقبلها، هي أن الحقائق متغيرة والمهارات التي تتماشى مع توجه الدولة غير ثابتة، فإن كان الحفظ هو الأولوية منذ عشرين عاما، فالبرمجة وتعلم اللغات والانفتاح على العالم وحل المشكلات، وغير ذلك من المهارات، هي الأولوية الآن، وذلك ما يجب على مناهجنا التركيز عليه.

يجب علينا أولا عند الخوض في تطوير المناهج، البدء بتعريف نطاق العمل الذي يجب أن يتوافق مع التوجهات العالمية في هذا المجال، والتي تبدأ بتحديد المعايير والمهارات المتماشية مع توجه الدولة، والمستجدات حول العالم.

ما يحدث في كثير من الدول ذات الأنظمة التعليمية المتقدمة، أن يتم تحديد معايير أو مهارات يحاسب المعلم على تدريب الطلاب عليها في نهاية العام الدراسي، مع ترك حرية طرحها بالطريقة والترتيب الذي يراه مناسبا له ولطلابه، فإن أراد تحقيق مهارة المقارنة بين شخصيات مؤثرة في حقبات مختلفة، فله كامل الحرية في اختيار الشخصيات وطريقة طرحها والتمارين التي يجب الخوض فيها لتحقيق هذه المهارة.

يجب التعامل مع المعرفة من منطلق يتسم بالمرونة بشكل أكبر، فالمعلومات على الإنترنت تتضاعف عشر المرات خلال كل خمس سنوات، ويتم سنويا نشر قرابة 2.5 مليون بحث علمي. علام تدل هذه الأرقام؟، أنه من المستحيل بتاتا أن يغطي المقرر المدرسي الصادر من وزارة التعليم جميع المعلومات التي يجب على الطالب معرفتها، فبالتالي من الأفضل تدريب الطلاب على أسس التعامل مع المعرفة، دون محاولة خوض أي معارك خاسرة تؤدي إلى هزيمة الطالب في حبه لطلب العلم، والمعلم في فشله في تغطية المنهج.

يوجد فرق شاسع بين المنهج المبني على المهارات، والمنهج المبني على المحتوى المقدم خلال المقرر الدراسي. فالمنهج المبني على المهارات يحث الطالب على تعزيز هذه المهارات، مثل «التحليل والتركيب، المقارنة، التصنيف، حل المشكلات»، خلال أي محتوى ملائم يقوم الطالب باختياره مع معلمه.

يتم التعامل مع المحتوى في هذه الحالة كوسيلة وليس غاية، وذلك على عكس المنهج المبني على المحتوى «الكتاب المدرسي في هذه الحالة»، فهو الوسيلة والغاية ولا يمكن التعامل معه إلا خلال مجرد تغطية بأثر لحظي لا يدوم مطولا. من أكبر الأدلة على ذلك، تدريسنا بشكل مكثف كثيرا من الآداب، مثل آداب زيارة المريض، والتعامل مع الناس والحفاظ على الممتلكات العامة، وغيرها مما لا نراه واقعا ملموسا في مجتمعاتنا.

ما الفائدة إذًا من حشو المقرر إذا لم يطبق الطالب ما يتعلمه من مهارات؟

يوجد أكثر من طريق مثبت بالأبحاث ومعزز بالنتائج، يمكن استخدامه لتطوير المناهج، فيمكن الرجوع إلى الفنون الأدبية لتدريس اللغة العربية، ويمكن ربط المواد ببعضها خلال إيجاد موضوعات أو مشكلات مشتركة مرتبطة بحياة الطالب اليومية والقضايا المعاصرة. إذا تعددت الطرق، فلماذا نقوم بكبح الإبداع وإلزام أكثر من 6 ملايين طالب وأكثر من نصف مليون معلم بطريق واحد ضيق للغاية، لا يؤدي إلى الوجهة التي تحقق رؤيتنا الوطنية؟

ما نحتاج إليه حقيقة، هو إعادة تصميم فهمنا للمنهج الدراسي كرحلة علم يخوضها الطالب بإشراف معلم يتم اختياره بشكل دقيق، وتدريبه بشكل مكثف للتعامل مع الطالب كمفكر وليس كمتلقٍّ مطالب بتغطية صفحات المنهج المهولة.

نود أن ندرب القوى العاملة على تطبيق المناهج بمفهوم جديد، وأن نصدر السياسات والتعاميم المتماشية مع ذلك، يجب أن نخطط لتطوير المناهج، لا أن نخطط مناهجنا قبل الاختبار.