تشير الدلائل الأولية لتكوين الجمعيات العمومية في الأندية الأدبية إلى أن شمس الأندية الأدبية اقتربت من الأفول، أو على أقل تقدير الغروب في انتظار إشراق جديد. فما الشكوى العلنية من ضعف الإقبال على التسجيل في قوائم الجمعيات العمومية سوى وجه واحد، من وجوه تقلص الاهتمام الشعبي بهذه المؤسسات الثقافية، وخفوت وهجها بعد أن أدت دورا مهما ـ ولاشك ـ خلال ثلاثة عقود من الفعل الثقافي المتفاوت النوعية والتأثير تبعا للظروف المحيطة بكل ناد أدبي.

ومن المعروف أن الكثير من المثقفين والأدباء تحدثوا منذ قرار إعادة تشكيل مجالس إدارات الأندية قبل أكثر من خمس سنوات عن أن مفهوم ناد أدبي تجاوزه الزمن ولم يعد ذا جدوى كبيرة في العصر الحالي، ودعوا وزارة الثقافة والإعلام إلى إلغائها نهائيا واستبدالها بصيغة جديدة تتوافق مع مفهوم الثقافة الشامل. فكانت فكرة المراكز الثقافية التي فسرها كل حسب رؤيته، ولكن ظهر في النهاية أنها مجرد مبان بلا تنظيم إداري ولا فعل ثقافي مختلف عما تعود عليه الجميع منذ أربعين عاما.

وبالعودة إلى مؤشرات "هجران" الأندية الأدبية، يبدو أن ابتعاد الكثير من المثقفين والمبدعين عن الانضمام إلى جمعياتها العمومية حتى الآن على الأقل، يرجع إلى عدة أسباب، لعل أبرزها تخوف هؤلاء من الدخول في دهاليز صراعات ومشكلات الأندية التي تحدثت عنها وضخمتها مختلف وسائل الإعلام المحلية، إضافة إلى ما ذكر سابقا عن تلاشي جاذبية مفهوم النادي الأدبي لكثير من المهتمين بالشأن الثقافي وتطلعهم لرؤية جديدة ومؤسسات مختلفة ترعى الجانب الثقافي، وربما يضاف سبب ثالث هو انتظار آخرين لاتجاهات بوصلة المسجلين في الجمعيات العمومية، فإن رأوا أن حظوظهم قائمة لدخول مجلس الإدارة من خلال الجمعية، سجلوا وتحمسوا، وإن خلاف ذلك بقوا في الظل في انتظار فرصة أخرى.

وبما أن الوضع هكذا، ففي اعتقادي أن نجاح تشكيل الجمعيات العمومية ومن ثم انتخاب مجالس إدارات الأندية الأدبية، محاط بالشكوك، وربما ستظهر عقبات كثيرة غير عقبات التمويل والتنظيم التي بدأت تظهر على السطح، ومنها عقبة توفر حد أدنى من العدد المطلوب لتشكيل جمعية عمومية، وكأني ألمح في الأفق، تعيينات جديدة ولو لنصف المجالس المقبلة، مما يؤكد أن المشكلة ليست في آليات الانتخاب، بل تكريس وجود مؤسسات مثل الأندية الأدبية، أدت دورها وحان الوقت لتغييرها، بمؤسسات تواكب العصر وتلبي طموحات ورغبات جميع المبدعين.