مليئة أرض جنوبنا الغالي الأخضر بأشجاره والأخضر بولائه، بكمّ هائل من الفنون القوليّة والأهازيج، ففي الجنوب الكل يغني، الناس والأطيار والأحجار، والطفل الجنوبي منذ ما قبل النفط، يبدأ حياته بالغناء، من أهازيج الرعاة وحتى الاصطفاف في حفلات الشعراء، الكل يغني.

طافت كل هذه الأشياء في الذاكرة وأنا أتصفح إصداراً جديداً للأستاذ علي ضيف الله الزهراني، عن شاعر العرضة القدير صالح اللخمي، هذا الإصدار الذي يعد بصدق وبلا مجاملة أو فذلكات وصفية، إضافة هامة لمكتبة الموروث الجنوبي.

صحيح أن اللخمي ليس الشاعر الأشهر في الجنوب بمقياس النجومية، لكنه وهذا الجميل، من أهم شعراء الجنوب، إذا ما أخذنا المعيار الأسلوبي، فهو قد اختط له مساراً منفرداً في تراكيبه اللغوية بل وحتى في مضامين قصائده، ودائماً ما يبرز الجانب العقلي والتأملي في طرحه.

الكتاب المرجعي الثمين هذا، حوى مسيرة 40 عاما لشاعر ملأ محافل العرضة الجنوبية بشدوه وألحانه وأوجاعه، وعينه الراصدة للأحداث وقراءة تلك الأحداث بعين الشاعر الحكيم، إضافة إلى كثير من محاوراته متنوعة الألحان والطروق مع أجيال مختلفة من الشعراء.

الذي لفت نظري بقوة في هذا الإصدار، هو أنه حتى وإن كان في مجمله يتناول الشاعر اللخمي إلا أنه في الحين ذاته، يعد مرجعاً توثيقياً لقصائد شعراء كثر مميزين في مجال العرضة الجنوبية، مثل ابن طوير والبيضاني وابن مصلح وعبدالواحد والشيخي وابن حوقان والدرمحي والكناني ورياض الخزمري، فكأنما هو عبارة عن فيلموغرافيا لأسماء وأجيال وقصائد متتالية الأزمنة، وكأنما كان اللخمي اختصاراً لكل تلك الأجيال، بل وكأن كل تلك الوجوه مرت من خلال وجه صالح اللخمي.