منذ بداية تخطيطي للابتعاث الدراسي في الصين وأنا مهتم جدا بكل ما يخص العلاقات العربية الصينية، أتابعها بشكل يومي عبر مختلف الوسائل، أحاول أن أكون ملما بأهم أحداثها، ومطلعا على بعض تفاصيلها بقدر الإمكان، وأكثر ما شدني أثناء متابعاتي وبحثي هي ترجمات الدكتور عبدالعزيز حمدي، فقد ترجم رائعة الأدب الصيني «على قيد الحياة»، للروائي يو هوا من خلال سلسلة إبداعات عالمية، وترجم كتاب تاريخ تطور الفكر الصيني، و«الطفلة العروس»، وهي مجموعة من القصص المختارة للكاتب الصيني شين تسونج، والذي حقق مبيعات مرتفعة في أحد مواسم معرض الشارقة للكتاب، وترجم كتاب «صينيون معاصرون»، ومسرحية الكاتب الصيني الشهير لا وشه «المقهى»، ومسرحية «شروق الشمس» للكاتب المسرحي الصيني تساو يو الذي حرص على لقائه، واستطاع أن يلتقيه ثلاث مرات ليسأله عن بعض أجزاء المسرحيات حتى ينجح في ترجمتها بشكل صحيح، حتى كان آخر لقاء قبل وفاة تساو يو بثلاثة أسابيع، عندما زاره وهو على السرير الأبيض في أحد المستشفيات بالصين، لم يحرص فقط على لقاء تسو يو، بل كل المؤلفين الذين يترجم لهم وهم على قيد الحياة، فكان يحرص على لقائهم أكثر من مرة، أما المؤلفون الذين يترجم لهم وهم قد فارقوا الحياة فقد كان يحرص على لقاء أقاربهم، ليعرف أكثر عن هذا المؤلف، وترجم أيضا مسرحية «تسايون جي» للكاتب المسرحي «قوه موه روه» الذي يقدم صورة للمرأة الصينية، وعندما أعلنت نوبل أن جائزتها الأدبية من نصيب الروائي الصيني مو يان صاحب رواية «الضفدع» عام 2012 بادر حمدي مباشرة بالتواصل معه لترجمة الرواية إلى العربية، وما سبق من ترجمات، ليس إحصاء لكل الكتب التي ترجمها الدكتور عبدالعزيز، بل جزء منها، وهو جهد كبير امتد خلال 30 عاما منذ 1986 عندما ترجم أول عمل من الصينية إلى العربية مباشرة، أدهشتني سيرته الذاتية في تعزيز العلاقات الثقافية العربية الصينية، وكمية الكتب التي ترجمها من الصينية إلى العربية، أحد الكتب التي ترجمها بعنوان «لمحة عن الثقافة في الصين» للكاتب تشنغ يوي تشن، وصل عدد صفحاته إلى 834 صفحة، حاولت حينها الوصول إلى رقم هاتفه المحمول أو عنوانه البريدي أو أي طريق يوصلني إليه فلم أَجِده،
أحد الطلاب الدارسين في الصين أخبرني بأنه قابله في إحدى المناسبات، وأن لديه إيميله الشخصي، ففرحت به وراسلته عليه، طالبا منه إجراء لقاء صحفي، ولم يرد على طلبي حتى الآن، ورغم حزني من عدم الوصول إليه إلا أني واسيت نفسي بأن أمثال الدكتور عبدالعزيز حمدي يخشون الضوء الإعلامي لأنه يشغلهم عن هدفهم الرئيس، وهو الإخلاص للترجمة، وترك أعمالهم وإنجازاتهم تتحدث بالنيابة عنهم.
ما جعلني أتذكر قصة فشلي في الوصول إلى الدكتور عبدالعزيز حمدي هما شخصان، الأول يلاحقني منذ عام تقريبا لديه كتاب واحد فقط كتبه عن تجاربه الشخصية في الصين أثناء عمله فيها، كتاب لم أطلع عليه في الحقيقة، ولكن إصرار كاتبه على أن أجري معه لقاء صحفيا في صحيفة «الوطن»، وملاحقته لي في «واتساب وفيسبوك وسناب شات»، جعلني أشعر أن هدفه ليس العمل الكتابي، بل البحث عن الأضواء الإعلامية ومطاردتها لينعم بالقليل من الشهرة الوهمية التي هي همه الأكبر ومراده، الشخص الثاني عاتبني على عدم معرفتي لكتابه الذي نشره قبل عدة سنوات، ويحوي على قصص قصيرة ترجمها على حسابه الخاص من العربية إلى الصينية في أحد مراكز الترجمة، وعندما طلبت منه معلومات عن الكتاب أرسل لي رابطا من موقعه الشخصي لم يتحدث عن الكتاب بأي معلومة، ولا يوجد فيه أي اقتباسات من الكتاب، أو نبذة عنه، وكل ما وجدته هو صور شخصية مع الوزراء والسفراء ومسؤولي المكتبات في الجامعات الصينية، وكلهم يشيدون بالكتاب، ويعتبرون كتابه من أهم الكتب على الإطلاق، والكثير من الثناء على الكتاب من المسؤولين الذين أشعر وكأنهم يقولون للكاتب هل هذا ما تريدنا أن نقوله عن كتابك؟ حسنا لا تزعجنا مرة أخرى.
المؤلف الموسيقي الأميركي بوب ديلان البالغ من العمر 75 عاما، والذي قضى حياته كلها في خدمة الموسيقى، وابتكر تعابير شاعرية جديدة في تاريخ الموسيقى عندما تم إعلان منحه جائزة نوبل للآداب، لم يستغل ذلك للبحث عن الأضواء، بل إنه لم يرد على اتصالات القائمين على جائزة نوبل، ولم يحضر لاستلام الجائزة، وأغلق هاتفه وكأنه يقول لكل العالم، إذا أردتم أن تجدوني فسأكون هناك في موسيقاي وكتاباتي، أو كأنه يردد ما قاله غازي القصيبي رحمه الله لحبيبته في قصيدته الوداعية «حديقة الغروب»: لا تـتبعيني! دعيني!.. واقرئي كتبي، فـبـين أوراقِـهـا تـلقاكِ أخـباري
وإنْ مـضيتُ.. فـقولي: لم يكن بطلاً، وكــان يـمزجُ أطـواراً بـأطوارِ