عند تصفّح الناس بعض مواقع التواصل الاجتماعي، أو مواقع البيع والشراء الإلكترونية، تظهر لهم بين الفينة والأخرى إعلانات عن خريج يبحث عن وظيفة، ويدفع لمن يتوسط له ما يشاء من مال، سواء كانت وظيفة حكومية أو خاصة.
الحقيقة، أن هذا مؤشر خطير على أن الواسطة بين ذوي القربى والمعارف، ولمن يدفع المال، في صورة من صور الرشوة، وصلت إلى مؤشر ينبغي معه إيجاد آلية تنظيمية أو قانون ينظم هذا الشأن بطريقة ما.
موضوع الواسطة شائك جدا، ويتداخل مع علاقات إنسانية، ومصالح يصعب الكشف عنها، كذلك فإن القانون حاليا في السعودية يزيد من مشكلة الواسطة حدة، فقد صرح المتحدث الرسمي لإحدى جامعات منطقة مكة المكرمة، في البرنامج الشهير معالي المواطن، بالقول: ليس هناك في القانون ما يمنع ترشيح أقارب المسؤولين للوظائف الأكاديمية، وأضاف أن ملفات هؤلاء الأشخاص تنطبق عليهم كل الشروط حسب اللائحة المنظمة لشؤون أعضاء هيئة التدريس.
ما قاله المتحدث الرسمي في الشطر الأول صحيحٌ، فليس هناك قانون يمنع، إذًا لماذا لا يكون هناك قانون ينظم الواسطة في كل القطاعات الحكومية، ما دامت المشكلة وصلت إلى حد أن بعض الأشخاص يدفعون الأموال مقابل أرقام وظيفية حكومية.
الشطر الثاني من إجابته، يحتاج تعيين هؤلاء والتدقيق في ملفاتهم وانطباق الشروط القانونية عليهم إلى جهة خارجية، وربما مركزية إدارية في وزارة التعليم.
فليس من المعقول مثلا أن والدي العزيز هو من يدقق أوراقي، ومن يقابلني مقابلة شخصية للوظيفة، فالحكم هنا بالطبع مجروح جرحا لا يندمل.
تنظيم الواسطة تحدٍّ كبير جدا، ويحتاج حلولا إبداعية، أو حلولا صارمة، أو الاثنين معا. أعتقد أنه من العدل ما دامت هذه المشكلة استفحلت إلى هذا الحد، أن يمنع القانون تعيين الأقارب في القسم الأكاديمي أو الجهة الحكومية حتى الدرجة الخامسة، حتى لو استوفوا الشروط المطلوبة لشغل الوظيفة الأكاديمية أو الحكومية.
فأرض الله واسعة، ولدينا من الجامعات والجهات الحكومية ما يكفي، فلن تنتهي الدنيا، ولا أعتقد، عقلا، أن يكون هناك أقارب لشخص واحد موجودين في كل أقسام الجامعات الحكومية.
يظهر أيضا إشكال آخر، فربما يعمل أحدهم في قسم أكاديمي بكلية ما، ويعرف أحدهم في القسم الأكاديمي في الكلية نفسها، وربما يتوسط لأولاده، وحل هذه المشكلة قد يكمن في الشفافية وإعلان أسماء المقبولين في صحيفة أو صحيفتين، تجبر الجهات الحكومية على الإعلان فيها، ومن يرى من المواطنين شبهة فساد أبلغ بها الوزارة أو هيئة مكافحة الفساد، أو ربما يحدد قانون الواسطة ألا يكون في كلية ما أو جهة حكومية في أقسام مختلفة أكثر من 5 أقارب في حدود الدرجة الخامسة.
المثير للعجب في هذه المسألة، أن الجامعات الأميركية في الجهة الأخرى من العالم، تنظر إلى موضوع الواسطة برأسمالية جميلة، فمثلا إذا كان أبوك أحد المتبرعين للجامعة بشكل كبير، فإن لك أفضلية قصوى في القبول، فهي ترضي غرور وكبرياء أو كرم التجار، بأن تسمي الفصول باسمك، أو قاعة معينة في الجامعة، بحيث يكون اسمك مخلدا وظاهرا للجميع، وفي الوقت نفسه تجمع منك المال المطلوب لإدارة عملياتها، كذلك لو كنت أحد خريجيها أو منسوبيها، تُعطَى أفضلية القبول، ولكن لا بد أن تنطبق عليك الشروط، وبالطبع لن يصل الأمر إلى أن يكون القسم الأكاديمي من عائلة واحدة!.
أحد الحلول الإبداعية التي أقترحها، أن يجمع هذا القانون بين منع الواسطة وإباحتها، فالمغزى في النهاية تنظيمي، وأعني هنا أنه إذا كنت عضو هيئة تدريس، ومسؤولا حكوميا رفيعا، لك الحق في حصول ابنك مثلا على الأفضلية، وليس الأحقية بعد انطباق الشروط القانونية عليه، وتكون لمرة واحدة خلال حياة ذاك المسؤول الوظيفية، وبذلك نقفل الباب على من يريد التلاعب بالقانون، وفي الوقت نفسه لا بد من تجريم الواسطة غير القانونية بعقوبات حازمة تصل إلى الفصل من الوظيفة، حتى يتوقف الهدر في كفاءات حكومية لم نستفد منها، لأن بعضهم جعل الجهة الحكومية مجلسا عائليا يجتمعون فيه لمناقشة من يعزم الثاني على معسل!.
وأخيرا، ربما تتدخل الوزارة وتضع حدا، بحيث تنظم كل شيء في عملية الاختيار والتعيين، والكيفية التي يختار بها القسم الأكاديمي المرشحين.
مع كل هذا فإن مشكلة الواسطة لن تحل بشكل كامل، لكن التقليل من نسبتها لا بد أن يكون هَمّا وطنيا للمعنيين.