فيما تعاني المطلقات في العادة من نظرة المجتمع السوداوية لهن عن طريق توجيه الاتهامات المجحفة والتحليلات غير المنطقية في حقهن، تتجلى أهمية إعادة تغيير وبرمجة هذا الصورة النمطية عن المرأة المطلقة في هذا الصدد.

وأخص في حديثي المطلقة عوضا عن المطلق، نظرا لإعفاء الرجل من هذه الصورة على الأغلب، وانكسار حدتها.

فبعض الرجال والنساء يقومون بوصف المرأة بأبشع الصور بمجرد التفكير في الانفصال. أناقش في هذا المقال دواعي الانفصال المنطقية، وكيفية التعامل مع تبعات الانفصال.

بدايةً، إن أخذ قرار الانفصال يعد من أهم القرارات في حياة المتزوج، نظرا لتبعاته المؤلمة على جميع الأصعدة النفسية والاجتماعية، وأحيانا الاقتصادية. إلا أنه يعد الخطوة الأخيرة والشعرة الفاصلة بين الحياة الحيوية وشبهها.

قد يعترض المتزوجين سؤالٌ مفصلي في فترة من فترات حياتهم، وهو: هل أكمل حياتي مع هذا الإنسان؟ أو هل سأتمكن من البقاء في هذه العلاقة مدى الحياة؟

الإجابة عن هذا السؤال تختلف من شخص إلى آخر، باختلاف شخصياتهم وأولوياتهم وتطلعاتهم في الحياة، والشريك، ومجتمعاتهم المحيطة، والعوامل السيكولوجية والثقافية. على سبيل المثال، كانت جارتي في أميركا تتعرض إلى أشد أنواع العنف الأسري، بتعرضها للضرب المبرح بصورة شبه يومية، فتارة أرى كدمات قرمزية في وجهها، وآثار جروح حديثة على جسدها تارة أخرى.

كم تمنيت أنها كانت تتقن فن المكياج لإخفاء تلك الآثار بصورة احترافية، بذات إتقانها إخفاء معاناتها.

عند مواجهتي لها، ذكرت أن العلة فيها، وأن زوجها -المسكين- هو من يصبر عليها وعلى صرخاتها المتكررة. غضبت منها في ذلك الوقت لأنها فقدت جنينها في الشهر السادس بسبب الضرب والركل المتكرر، ولم تكن تلك المرة الأولى التي تفقد فيها طفلا مكتمل الخلقة بل الخامسة. إلا أنني علمت من صديقة مشتركة أنها لا تستطيع الانفصال عن زوجها -المريض نفسيا- لأنها تنتمي إلى أسرة أقسى وأبشع تعاملا، وتجرم الطلاق، وتنبذ المطلقة، كما لا تمتلك سوى شهادة الابتدائية في ملفها، فلن تقوى على الاستقلال المادي أو الاجتماعي تباعا.

من الحالة السابقة، يتضح أن الإساءة الجسدية والمرض ليسا من دواعي الانفصال في جميع الزيجات، وقس على ذلك من حالات الخيانات الزوجية والطمع والبخل والمرض...إلخ.

إذن، الفاصل هو المقياس الشخصي والعامل النفسي للإنسان وظروفه المحيطة، فكما تختلف قوة تحمل الألم من شخص إلى آخر، تختلف دواعي الطلاق من شخص إلى آخر أيضا. فمن الأحوج عدم الحكم مسبقا على أخلاق المطلق أو عدم احتماله وصبره على وضعه القابل للتحمل، لأن المقارنة بين شخص وآخر لتشابه المسبب لن يجدي نفعا، نظرا لاختلاف البنى التحتية للمسبب في حياة كل شخص. فتتردد على مسامع من تتعرض إلى الضرب لجمل عقيمة كـ«احمدي الله، فغيرك زوجها مدمن مخدرات أو خائن أو مجرم... إلخ».

كل إنسان له مطلق الحرية في أن يصبر على ما يريد، ويحب من يريد بعيوبه، فليس ذلك سببا مقنعا، ولا تعد نصيحة ثمينة من أفواه ذوي الخبرة في الحياة.

كما تعترض الشخص الذي يفكر في الانفصال تبعات تسهم في تأجيل أخذ هذا القرار أو العدول عنه، لخوفه من ردود الأفعال المصاحبة له، أو نظرة وتعامل مجتمعه القريب أو البعيد، أو كلاهما معه عقب الانفصال. فقد يكون المجتمع القريب كالأب والأم والإخوة في غاية التفهم والدعم، بعكس مجتمعه البعيد كالأقرباء والأصدقاء ومحيط العمل الذين يعدون له عتاد الحرب قبل وقوعها بالنبذ والإقصاء.

والعكس صحيح، فبعض العوائل لا تسمح بوقوع الطلاق، مهما كانت الأسباب التي تجعل طالبه يتعثر عن إيجاد معنى وسبب للبقاء في هذه الحياة.

في رأيي، كل شخص لديه طاقة استيعابية ومقياس صبر وعطاء، وما سبق ينطبق على كلٍّ من البقاء في الزواج من عدمه، وعلى تحمل التبعات المتعلقة بالقرار المتخذ.

نهايةً، أنا لا أروّج للطلاق كمبدأ بتاتا، ولكنني أروّج للحياة السعيدة والأمان في حالة الزواج وعدمه، فمتى شعر الإنسان أن شريك حياته ملجأٌ ومستقر لاحتياجاته النفسية قبل الجسدية، فستسمو العلاقة بجميع الأطراف باختلاف مسماها.

هي حياة واحدة، فلماذا لا نشعر بجمالها مع من نحب؟