تزايد الحديث خلال الفترة الماضية عن ضرورة تفعيل السياحة الداخلية، وتذليل الصعوبات التي تعيق ازدهار هذا القطاع، لاسيما بعد أن كشفت الدولة عن عزمها على دعم هذا القطاع، والاتفاقات العديدة التي وقعت مع عدد من الشركات العالمية الكبرى العاملة في هذا القطاع، مثل سكس فلاجز، وتوقيع عقد إنشاء أكبر مدينة ترفيه في منطقة القدية، ومشروع مدينة البحر الأحمر، وهي كلها مشاريع رائدة من شأنها أن تسهم في دعم الاقتصاد الوطني، في ظل سياسة الدولة الرامية إلى استنباط مصادر دخل جديدة غير نفطية، كما جاء في رؤية المملكة 2030. واعتاد الخليجيون على وجه العموم والسعوديون خصوصا على السفر إلى عدد من الدول العربية والآسيوية خلال فترات العطلات، إلا أن التطورات السياسية والأمنية التي يشهدها عدد من الدول مثل سورية ولبنان والعراق وغيرها، وتراجع الأوضاع الأمنية في دول أخرى مثل مصر وتركيا أدى إلى عزوف أعداد كبيرة من السائحين عن التوجه إلى تلك الدول. كذلك بات من الواضح أن عددا من السعوديين كانوا أهدافا لعصابات إجرامية في بعض الدول، وتعرضوا للاختطاف بغرض دفع الفدية، كما حدث في لبنان. وأصيب آخرون في أحداث إجرامية تصادف وجودهم وقت وقوعها، على غرار ما شهدته تركيا، لذلك تحولت الرحلات السياحية من فرصة للاستجمام والراحة والتقاط الأنفاس إلى ذكريات مؤلمة في أذهان البعض، بعد أن فقدوا خلالها أعزاءهم وأحبابهم.

ومع أن البعض بدأ في الاتجاه نحو دول أخرى مثل المالديف وماليزيا وغيرهما، إلا أن عدد السياح الذين يسافرون إلى الخارج لم يعد بنفس النسبة التي كانوا عليها في السابق. وهذا الوضع يتيح فرصة ذهبية لتفعيل السياحة الداخلية وتنشيطها، عبر ابتكار برامج سياحية جاذبة للعائلات، لأن هذا هو الدافع الأكبر لجذب السياح، ومع أن بلادنا تتمتع في كثير من مناطقها بعوامل الجذب السياحي، بما تحتويه من مناطق تاريخية وبنية تحتية متكاملة، وسهولة في المواصلات ووسائل النقل، واستتباب للأمن والحمد لله، إلا أن ذلك ليس كافيا، ما لم تتبعه خطوات أخرى تتمثل في تفعيل دور الهيئة العامة للترفيه، وهيئة السياحة، عبر تكوين لجان في معظم مناطق الجذب السياحي، على ألا تكون مجرد لجان حكومية بيروقراطية يتعامل أعضاؤها بعقليات الموظفين الروتينيين، فينبغي أن تضم في عضويتها مجموعة من المبدعين الذين يملكون القدرة على تشكيل برامج سياحية عصرية، تتوافق مع رغبات جميع الشرائح العمرية، لأن مهرجانات التسوق التي اعتدنا عليها في السابق، لم تعد جاذبة بصورتها التقليدية، بسبب تغير مفردات العصر واختلاف أذواق الناس. ومع أن هناك كثيرا من الصعوبات التي تعترض طريق السياحة الداخلية، إلا أن هذه هي أهم الإشكاليات التي ينبغي الاهتمام بمعالجتها، إضافة إلى صعوبة الحصول على مقاعد للرحلات الداخلية بين المدن، وارتفاع قيمة تذاكر الطيران بشكل كبير.

اللافت ومن واقع إحصاءات رسمية أن عدد السعوديين الذين غادروا المملكة خلال إجازة منتصف العام الدراسي الحالية شهد تراجعا كبيرا مقارنة بنفس الفترة من السنوات الماضية، مما يشير إلى وجود رغبة حقيقية في البقاء بالداخل، والاستمتاع بالأجواء المعتدلة التي تشهدها معظم مناطق المملكة. حتى المعتمرون الذين تكاد تمتلئ بهم شوارع مكة المكرمة والمدينة المنورة خلال الفترة الحالية يمكن أن يكونوا عنصرا مستهدفا بالسياحة الداخلية عبر تنظيم برامج سياحية ومهرجانات تسوق نوعية، تستقطب هؤلاء وتدفعهم إلى إنفاق المزيد من الأموال. لذلك فإنه بالقليل من الجهد يمكن أن نسهم في تطور هذه الصناعة، بما يؤدي إلى ازدهار أسواقنا المحلية، وإيجاد فرص عمل دائمة وموسمية تقلل من نسبة البطالة المرتفعة. فنحن نمتلك كافة المقومات اللازمة لتطور وازدهار صناعة السياحة، من مناطق طبيعية، ورؤوس أموال، وبنيات تحتية، ومرافق إيواء كافية، واستتباب للأمن، وقدرة شرائية مرتفعة، ولا يتبقى بعد ذلك سوى التخطيط والتنظيم والرقابة.