لم تعد الأمم المتحدة، تلك المنظمة العريقة التي يفترض أنها تحكم العالم وتنظّم شؤونه وترعى مصالح دوله، تملك من أمرها ما يتعدى بيانات الإدانة والشجب والاستنكار، دون أن تملك القدرة على إرغام الدول والكيانات المارقة على الالتزام بالقانون الدولي، أو إيقاع العقوبة اللازمة بحق من يعتدي على الآخرين، أو يتجاوز حدوده، إضافة إلى تضارب تقاريرها وتناقضها، لدرجة أن إحدى المنظمات التابعة لها قد تصدر بيانا يناقضه في الغد بيان أو تقرير آخر تصدره إحدى اللجان التي تعمل تحت إدارتها، وأكبر دليل على ذلك التخبط والعشوائية هو طريقة تعاطيها مع الأزمة اليمنية، وتعاملها مع ميليشيات الحوثيين الانقلابية والجهات الداعمة لها بتهريب الأسلحة، وعلى رأسها إيران.
الدور المنوط بالأمم المتحدة – كما أشرنا إلى ذلك – هو مراقبة تنفيذ كافة الدول للمعاهدات الدولية التي أقرتها المنظمة الدولية، والعمل على إرساء القوانين ذات الصلة التي تنظم العلاقة بين الدول، وضمان التنفيذ الفعلي على أرض الواقع. ولذلك تم سن عدد من التشريعات واستحداث مجموعة من الآليات، ومُنح مجلس الأمن الدولي صلاحيات واسعة، من بينها إصدار قراراته تحت الفصل السابع الذي يتيح استخدام القوة العسكرية بصورة تلقائية لفرض قراراته، إلا أن كل ذلك بقي حبرا على ورق، وبنودا جامدة من غير تفعيل، وفقدت المنظمة الرائدة أهميتها يوما بعد آخر، وتخلت عن القيام بدورها، تحت وطأة الضغوط السياسية التي تمارسها الدول الكبرى، لاسيما ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن، والتي للأسف ركزت على تحقيق أهدافها الخاصة وأجندتها الذاتية، دون اعتبار للسلم الدولي، واستقرار الأوضاع والأمن العالمي.
لم يعد خافيا على الجميع أن إيران ترتكب انتهاكاتها في وضح النهار، ولا تقيم وزنا لأحد، ليس ذلك فحسب، بل إن قادتها أصبحوا يجاهرون بتلك التجاوزات، مثلما قال البرلماني الإيراني، علي رضا زاكاني، المقرب من المرشد علي خامنئي بأن بلاده تسيطر على أربع عواصم عربية، وبلغت الجرأة حد أن توعد أحد كبار مسؤولي الحرس الثوري الولايات المتحدة نفسها والدول الغربية بأن بلادهم أصبحت في مرمى الصواريخ الباليستية التي تطورها إيران في مخالفة واضحة للاتفاق النووي. إضافة إلى أن الأمم المتحدة نفسها حذرت من الصواريخ التي تهربها طهران لعملائها الحوثيين، وأكدت أنها لم تعد تشكّل تهديدا لدول الجوار فقط، حيث تجري محاولات استهداف المدنيين بها، بل إنها تهدد بعرقلة حركة الملاحة الدولية في مضيق باب المندب الذي تمر منه قرابة 15 % من التجارة الدولية، ورغم ذلك لم يتم اتخاذ إجراءات فعلية لوقف هذا العبث الذي يشكل تهديدا لاستقرار العالم بأسره، واستمر مسلسل السكوت المريب على تلك التجاوزات الخطيرة.
بالأمس القريب اتهم تقرير أممي أعدته لجنة العقوبات الخاصة باليمن إيران بتسهيل حصول المتمردين الحوثيين على طائرات بدون طيار وصواريخ باليستية أطلقت على الأراضي السعودية، وأن ذلك يشكل انتهاكا صارخا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، الذي يمنع تزويد الانقلابيين بأي أسلحة، مضيفة أن الخبراء الدوليين المكلفين بمراقبة الحظر حددوا مخلفات صواريخ مرتبطة بمعدات عسكرية إيرانية الصنع، تم إدخالها إلى اليمن بعد فرض الحظر على الأسلحة عام 2015، وهي النتائج التي تتطابق تماما مع ما توصل إليه فريق من الخبراء الأميركيين، وسبق أن عرضتها المندوبة الأميركية في مجلس الأمن، نيكي هايلي، أوائل الشهر الجاري.
الآن ثبت بالدليل القاطع أن حكام طهران خالفوا عن عمد القانون الدولي، وعرضوا أمن المناطق الحدودية السعودية للخطر، وكذلك استقرار الممرات المائية الدولية التي يعتمد عليها العالم كله لمرور ناقلات النفط من دول الخليج إلى الأسواق العالمية. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، على ضوء تلك الإدانات المدعومة بالوثائق والأدلة، ما هي الخطوة التالية؟ فالمعلوم أن أي تجاوز وانتهاك يتم التأكد منه يستلزم عقوبة تتناسب مع حجم الجرم المرتكب، وهي قاعدة قانونية دولية ثابتة، فهل تجرؤ منظمات المجتمع الدولي على معاقبة النظام الإيراني المارق أم أن الأمر سيخضع لحسابات السياسة وصفقاتها ودهاليزها المتشعبة؟ فالإدانات لن تنفع، وبيانات الشجب والاستنكار لن تشفع، لأن نظام الملالي أثبت في كثير من المواقف أنه لا يحترم شرعية، ولا يقيم وزنا لمعاهدات واتفاقات دولية، ولا يتجاوب إلا على وقع الضغوط وفرض العقوبات، كما أثبتت ذلك تجارب السنين الماضية، والمطلوب من المجتمع الدولي، إذا أراد أن ينعم العالم بالأمن والاستقرار أن يفرض عليه المزيد من الضغوط والعقوبات الاقتصادية.
وأيا كان موقف المجتمع الدولي، سواء بالارتفاع إلى موقع المسؤولية، والعمل على استتباب الأمن في هذه المنطقة الحيوية من العالم، أو مواصلة غض الطرف وتجاهل التحذيرات الجدية التي تطلقها المنظمات الدولية ذات الصلة، فإن دول المنطقة وفي مقدمتها المملكة، لن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى محاولات العبث الإيراني بأمنها القومي، ولن تسكت على تلك الانتهاكات، وستواصل مراقبتها المستمرة للموانئ والمنافذ اليمنية، لمنع وصول تلك الأسلحة للمتمردين، لن يهمها في ذلك تقارير مضللة أو بيانات مغرضة، فمن لا يحمي نفسه في عصر باتت فيه القوة هي اللغة الأكثر تأثيرا، لا يستحق العيش في سلام. وكذلك سيواصل الجيش الوطني اليمني تقدمه على كافة الجبهات ومحاور القتال، مسنودا بطائرات التحالف العربي التي تمكنت خلال الفترة الماضية من تدمير معظم مخازن أسلحة التمرد، وتصفية قياداته، حتى يتم دحر كافة عملاء طهران، وتتحقق عودة اليمن إلى حضنه العربي والخليجي.