هناك عبارة يقولها الدكتور عثمان الصيني لكل كاتب يرغب في استخدام زاويته ليمدح شخص ما أسدى إليه معروفا: «اذبح له حاشي» وخلّصنا.

أعرف هذه العبارة، لأنه قالها لي مرة، وتعلّمت منها أكثر مما تعلمته من سنوات دراستي علم الإدارة.

إذا كانت هناك رغبة منك في تقدير شخص ما، اِجعلْ ذلك بينكما، ولا تحمّلنا نحن تبعاته، حتى لو كان مجرد مقال في جريدة، فما بالك لو كان قرارا بإعطاء منصب إداري كبير أو قيادي لشخص كان لطيفا معك أو ودودا، أو تربطه علاقة أسرية أو نسب، أو حتى شكا لك وضعا أسريّا معينا يتطلب إيفاده إلى الخارج، كوالد لمريض أو مرافق لابنة، أو تساند أهل قرية ما زاروك في مكتبك مقسمين عليك أن تجعل قريبهم فلانا مديرا للشؤون الصحية في المحافظة، ثم تنتهي الأمور الصحية بكارثة، لأن ابن أخيهم فاشل بامتياز.

علماء الإدارة يقولون، إن الفرق بين الدول المتحضرة والقوية اقتصاديا، والدول النامية، وجود الكفاءات، لكن علميا الدول النامية هي أكثر الدول المصدرة للكفاءات إلى الغرب، بما يسمى هجرة العقول. استمع إلى محاضرة، حتى تعرف أن معظم إنجازات أميركا كلها جاءت من جهود شباب هاجر إليها من بلدان نامية، استمع إلى محاضرة Michico kako، عن سر أميركا وإنجازاتها.

على كل حال، ما الذي تستطيع فعله كفاءة معطلة ومستبدلة بكفاءات تملك العلاقات الخاصة التي توصلها إلى حيث تشاء، غير الهجرة إلى بلد آخر تُقدّر فيها الكفاءة

ليحل محله من يتمتع بالعلاقات والذكاء الاجتماعي، والذي فوق ضعفه يعاني عدم قدرة على سدّ فراغ الكفاءات، فمستواه الإداري متدنٍّ جدا، أضف إليه الشعور بقوة المساندة بمن دفعه إلى هذا المنصب والمكانة، لذا ستجده يرفض النقد ويرفض الحصول على التغذية الراجعة منه، لأنه بكل هدوء ليس لديه هدف لينجزه، غير حرصه على بقاء من يسانده ويحميه، وهذا يتطلب جهودا اجتماعية فقط.

ولك أن تتصور حجم الفشل الذي سيصنع تحت إدارة هذا الشخص، وحجم الفساد الذي سينتج، خاصة عندما تتحول بيئة العمل إلى بيئة طاردة، وغير متآلفة مع أي بادرة للتغيير الإيجابي، أو الإنجاز الحقيقي وليس الوهمي.

في الحقيقة، أن هذا هو الفساد الخفي الذي لا تستطيع القبض عليه وزجه في السجن، لكنك تستطيع السيطرة عليه حتى يتآكل ويقضي على نفسه بنفسه، عبر الشفافية والإعلان عن المناصب القيادية الشاغرة، ورفع معايير المرشّحين، وإخضاعهم لاختبارات نفسية وأدائية، واستبعاد ما يسمى المقابلات الشخصية، لأنها الطريقة الوحيدة لتمرير الشخص غير المناسب في المكان المناسب، خاصة أن ثقافة الجماعة والرَّبْع والمناطق والقبيلة والعرق، ما زالت مسيطرة علينا، ولم نتخلص من مجاملاتها بعد.