كشف المتمردون الحوثيون عن وجههم الحقيقي، وجدّدوا التأكيد -بما لا يدع مجالا للشك- أنهم ليسوا سوى عصابة دولية تتحدى القانون الدولي، وتستهين بالشرعية، وتسخر من كل القوانين العالمية، وذلك عندما هدد رئيس ما يسمى بمجلسها السياسي، صالح الصماد، باستهداف السفن التي تمر عبر مضيق باب المندب، وعدم السماح بمرورها، إذا لم توقف قوات الجيش الوطني تقدمها في الساحل الغربي، واقترابها من استعادة ميناء الحديدة الذي يعتمد عليه المتمردون في استلام الأسلحة التي تهربها لهم إيران.

وألمح الصماد إلى استعداد جماعته للجلوس إلى طاولة المفاوضات لإيجاد حلّ سلمي، وهو تلميح لا يعدو كونه مناورة لوقف العمليات العسكرية، لأنها تسير في غير صالحهم، ريثما يلتقطون أنفاسهم ويعاودون الكرّة من جديد.

وهذه المحاولة تؤكد حقيقة الضغط العسكري الهائل الذي يتعرض له الانقلابيون من القوات الموالية للشرعية.

اعتاد المجتمع الدولي -خلال الفترة الماضية- على التعامل مع الحوثيين بطريقة مريبة، وامتنع عن ممارسة ضغوط حقيقية عليهم لإرغامهم على الجلوس إلى طاولة المفاوضات للوصول إلى حلول سلمية تضع نهاية للأزمة.

ورغم أن مجلس الأمن الدولي أصدر بالإجماع قراره رقم 2216، والذي دعا إلى وضع حد للانقلاب، وعودة المتمردين إلى أماكنهم التي كانوا عليها قبل سبتمبر 2014، وتسليم أسلحتهم وعودة الحكومة الشرعية برئاسة عبدربه منصور هادي، إلا أن الأمم المتحدة والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن امتنعت عن ممارسة الضغوط السياسية الضرورية لفرض إنفاذ القرار، رغم أنه صدر تحت البند السابع الذي يبيح استخدام القوة بصورة تلقائية ضد المتمردين.

ومع أن المملكة حذرت مرارا من مغبة هذه السياسة الدولية، ودعت في عدة منابر سياسية إلى الضغط على الحوثيين، ونبهت إلى تهديداتهم حركة التجارة العالمية، لا سيما بعد محاولة الاعتداء على الفرقاطة السعودية في البحر الأحمر، ومهاجمة سفينة المساعدات الإماراتية، بل وصل الأمر بالمتمردين إلى إطلاق النار على سفن حربية أميركية تراقب حركة الملاحة البحرية، لكن ظل التجاهل التام وسياسة غض الطرف هو أسلوب التعامل الدولي مع الحوثيين، رغم أن العالم كله يدرك أنهم ليسوا سوى أدوات لإيران التي تحلم بالسيطرة على المضيق الإستراتيجي الذي يتحكم فيما يقارب 15% من حركة الملاحة العالمية.

ربما ينظر بعض المراقبين إلى أن التهديد الأخير هو مجرد محاولة لإشغال الدول الكبرى عما يجري في إيران من مظاهرات، وصرف أنظار العالم عن تأهب قوات الحرس الثوري لسحق الثوار في الشوارع، على غرار ما حدث عام 2009، وهذا التحليل ليس مستبعدا، إلا أن مجرد التلويح -ولو من باب التهديد- بعرقلة حركة التجارة العالمية يبقى خطوة يستحق مرتكبها العقاب، لأنه تهديد بإدخال العالم في مأزق اقتصادي بالغ الخطورة، ومن يدري فربما يندفع أولئك الذين يفتقدون القدرة على معرفة عواقب الأمور، ولا يملكون قرارهم، وينفذون فقط ما تمليه عليهم طهران، إلى ارتكاب حماقة يندم عليها العالم كثيرا.

الآن، يقف العالم أجمع أمام منعطف حقيقي، وأمام خيارين لا ثالث لهما، إما التعامل الصارم الحازم، وتوجيه ضربة قاصمة لتلك الميليشيات، تقضي تماما على ما يملكونه من صواريخ بحرية إيرانية، وتوجيه رسالة واضحة وحازمة لنظام الملالي بأن الأمن الاقتصادي خط أحمر لا يمكن تجاوزه، وإما استمرار سياسة التجاهل التي درجت الدول الكبرى على اتباعها، وغض الطرف عن تجاوزات أتباع الحوثي وانتهاكاتهم المتكررة، وحينها لا يحق لتلك الدول أن تعض بنان الندم إذا فوجئت بأن معظم الشحنات النفطية التي تعتمد عليها تلك الدول قد تعذر مرورها، مما يهدد بوقوع كوارث غير معروفة العواقب على الاقتصاد العالمي، إضافة إلى أن توقف حركة التجارة العالمية عبر المضيق الإستراتيجي المهم يمكن أن يكون مغامرة يتجرأ الآخرون على إعادتها في أماكن أخرى مشابهة.