قبل أيام معدودة نشط هاشتاق في تويتر بعنوان «حملة تبليك المشاهير» وبداية، فأنا لي تحفظ على كلمة المشاهير؟ فالكلمة مطاطة، تحتمل أن تُطلق على من اشتهر بالغث والسمين، أما ما يتعلق بالمشاهير، فدعونا ألا نظلم كل من ينشط في وسائل التواصل الاجتماعي من خلال هذه الحملة التويترية، فمن الخطأ أن نضع الجميع في سلة واحدة، من عُرف بين الناس بالمقاطع الهادفة، ذات المعاني القيّمة، فنضعه مع من عُرف بالسخرية والتهكم والتهريج والسخافات والبذاءات، ظنا منه أنه عبر وسائل التواصل يحق له أن يفعل ويقول ما يشاء.

لكن لعل المتابع لمشاهير السناب سيلحظ أنهم انطلقوا بلا قيود في إبداء الآراء حول قضايا عامة، وكأنهم يعبّرون عن رأي المجتمع، الأمر الثاني أنهم أسرفوا في كشف تفاصيل حياتهم للعامة، فلم يتركوا صغيرة ولا كبيرة، إلا وأشركوا الجميع فيها، أكلهم، ملابسهم، بيوتهم، أمزجتهم، حتى إن شهيرات سمحن لمتابعيهن بأن يدخلوا إلى غرف نومهن لمشاهدة ما تحويه من «مجوهرات وإكسسوارات»، فقدم المشاهير للمراهقين معنى آخر للحياة، وكأنها لا تعني إلا حياة الترف والبذخ، وحب التملك، دون مبالاة بمشاعر الأفواه الفارغة، والبطون الجائعة، وثالثا أنهم مارسوا «الإعلانات التجارية» وعملوا ما يشبه الخلطة في إعلاناتهم، فنجدهم اليوم في مطعم يقدمون إعلانا لوجبة من وجبات الطعام بطريقة فجة، فيها استعراض «كوميدي» باهت حين يبدأ أحدهم بوضع اللقمة في فمه، ثم يصدر همهمات تنطلق معها فتات الوجبة التي لا تزال عالقة في فمه، ثم ينهي إعلانه بالقسم على أنها وجبة لا مثيل لها، بعد ذلك نـجدهم في محل ملبوسات، بعدها في صالون تجميل، وكل ذلك على حساب البسطاء الذين تركوا كل المحال والمطاعم، وذهبوا ليبحثوا عن وجبة «شهيرهم»!

وذهب المشاهير ليقبضوا ثمن سماجاتهم، والخطأ هنا هو «الانسياق» خلف ما يروج له هؤلاء المشاهير من إعلانات، لأن العادة أنهم يروجون لسلع، وبخاصة مواد التجميل، هم أنفسهم لا يعلمون مدى جودتها وأضرارها، فقط يرددون أنها ماركات جربوها، هنا أسأل من صنع المشاهير بهذه الطريقة الخرقاء؟ وصنع منهم نجوما في مجتمعنا؟

الجواب لا يحتاج إلى إحضار ورقة وقلم، وتفكير عميق «نحن» من صنعهم، حينما نراهم في «المولات» فنجري خلفهم، وقد أخرجنا هواتفنا المحمولة وسلّطنا نـحوهم الفلاشات نحو المستشعرين، وأصحاب الشيلات، بينما لو في نفس اللحظة شاهدنا أحد مثقفينا المعتبرين أو الأدباء الكبار، فإن فعلنا شيئا نحوهم، فسيكتفي بعضنا بهمسات لا تكاد تُسمع لمن حوله «هذا فلان»! فيمكن يكون الرد والله ما أعرفه، ويمكن تسمع لا يا شيخ هذا يشبهه، وقد تسمع معقدا يقول «لا تعطه وجها»، بينما المشاهير لا تخطئهم أعينهم، بمن فيهم الفنانون والرياضيون، مع كامل تقديري، ولا أنتقص من قيمة أحد، فكل واحد له حرية الاختيار في طريقة عيشه وأسلوب حياته!

غير أني قصدت أن هذا قدر الأدباء والمثقفين، إذْ يعيشون غرباء في مجتمعاتهم كما قيل، ولذلك لا تعجبوا كثيرا، أن تجدوا من مشاهير «السناب» أو شهيرات يطلق عليهن «فانشيستات»، أو يقال عنهن «المودلات»، وهناك «مودل ذكور» كما شاهدت ذلك في برنامج بإحدى الفضائيات! أتباعهم بالملايين، بينما باحث مثقف وأستاذ جامعي كالدكتور «عيد اليحيى» لا يتابعه إلا عشرات الآلاف، أو مئات الآلاف على أحسن تقدير، يقدم لنا برنامجا أدبيا تاريخيا ثقافيا نادرا ومشوقا، يرحل بنا نحو ماضينا العاطر، في رحلات تاريخية تارة نحو ديار عنترة بن شداد في مضارب الهدبان في بني عبس، ليحيي ذاكرة المكان مع عنترة، وهو يقول «كأن السرايا بين قو وقارة... عصائب طير ينتحين لمشرب»، ومرة مع أطلال مملكة الفاو، عاصمة مملكة كندة الأولى، ومرات يسافر بنا نحو قرية الغيل في مدينة الأفلاج، لنقف على أطلال «جبل التوباد» رمز الحب العذري، وكأننا نسمع من جديد مناجاة قيس «وأجهشت للتوباد حين رأيته... وكبّر للرحمن حين رآني /‏ وأذرفت دمع العين لما عرفته... ونادى بأعلى صوته ودعاني».

أعود إلى عنوان المقال قبل أن أنسى لأقول، أنا لا تعنيني كثيرا حملة الهاشتاق، لا من قريب ولا من بعيد، ولا أحتاج إلى «تبليك مشهور»، لسبب بسيط أني أمام خيارات يحكمها عقلي وفكري، فيمكنني أن أتابع من أريد، وأرفض من لا أريد، بحسب اهتمامي، ولا يمكن لإنسان أن يضع نفسه ضمن قافلة القطيع، بل هو يقرر ويفرّق بين الغث والسمين، ومن يتابع ومن يهمل بدون الحاجة إلى تبليك، وصدقوني إن فعلنا ذلك فالشهير الغث سينطفئ وحده، ولن نـحتاج إلى إشهاره حتى بحملة «تبليك».