ربما تعجب البعض من موقف النظام القطري وقناة الجزيرة ومن تبقى من جماعة الإخوان الإرهابية، في التماهي بالدفاع عن نظام الملالي في طهران، لقد قلتها عبر هذا المنبر الوطني الشريف وعبر منابر عديدة طيلة سنوات، إن نظام الولي الفقيه وجماعة الإخوان هما جانبان لوجه واحد، ولطالما تبادلا الأدوار، وإن كل الذين قفزوا إلى مركب إيران مصيرهم الغرق وسيبتلعهم الطوفان، وهم اختاروا نهايتهم بعناد سيوردهم الهلاك مع هذا النظام البائد، وسيندمون، ولات ساعة ندم.

قارب الملالي، يواجه نهايته المحتومة، والتي تزامنت بدايات شرارتها في العديد من المدن الإيرانية مع أعياد رأس السنة الميلادية، والذي جذب انتباهي فيها مشهدان مؤثران لهما دلالات.

المشهد الأول كان من لبنان، حين احتفل اللبنانيون في ساحة النجمة ببيروت وحتى ساعات الصباح، وبكل أطيافهم، لم نر مثل هذا المشهد منذ سنوات عديدة، اجتمعوا ليحتفلوا بالعام الجديد، جاؤوا من الجنوب ومن الشمال ومن كل بقاع لبنان، ليقدموا صورة للعالم، بأن الفتنة الطائفية أضعف من أن تفرق شملهم مهما طال الزمان، وأن حياتهم لن تتحمل أن تُرتهن لصالح فئة أو جماعة أو طائفة بعينها، وأن الظلم والقهر ليسا من طبيعة الأشياء أو الحياة، وستلفظهما الشعوب في النهاية.

المشهد الآخر من العراق، حيث تجمع مئات الألوف من الناس من وسط وجنوب العراق، وزحفوا إلى العاصمة بغداد، في منظر فريد لم نشهد له مثيلا منذ سنوات، ليشاركوا إخوانهم المسيحيين «والذين لم يبق منهم سوى ذكراهم وكنائسهم المهجورة، بعد أن هُجِّرَ معظمهم قهرا وقسرا وتركوا البلاد».

خرج العراقيون سنة وشيعة عربا وأكرادا وتركمانا، ومن كل الطوائف، ومعهم قلة قليلة ممن تبقى من إخوانهم المسيحيين، وأضاءت سماء العاصمة بغداد الألعاب النارية، وامتلأت شوارعها بالفرح والأهازيج والغناء، وهي رسالة أرعبت الكثيرين من الذين لم يصدّروا إلينا سوى اللطم والتطبير والعويل والقهر والبكاء، لقد سئم الشعب الكذب والافتراء وكل مظاهر الدجل والشعوذة، وبات يعلم جيدا وبوعي ويقين، من هم رموز الفساد وأصل البلاء.

كان المشهد سواء في بغداد أو بيروت، صورة واضحة لفشل المشروع الإيراني الطائفي العنصري، وربما هو امتداد وصدى لما يحدث في إيران من حراك شعبي ضد الظلم والقهر والدكتاتورية والفساد، والتي هي دوما رديف للحكم الثيوقراطي الديني وعلى مر العصور، وتبنيه للمثيولوجيا كمنهج لتسطيح الوعي وتغييب العقل والقياس والمنطق وبشكل ممنهج وفج، والتي تتجلى في هيمنة الأحزاب الدينية وأدعيائهم ودُعاتهم هنا وهناك «في إيران والعراق وحيثما تمددوا».

 الشعب الإيراني هو من جاء بالخميني في ثورة شعبية عارمة، ولم يطل به الوقت حتى اكتشف خطأه التاريخي الكارثي، وأدرك اليوم جيداً أنه قد آن الأوان لكي يصحح هذا الخطأ ويعدل المسار، وهو يعلم جيدا حجم التضحيات التي سيقدمها لأجل ذلك، التظاهرات السلمية للمظلومين والمقهورين والمشردين والعاطلين والثكالى والأيامى والمعوزين، والتي تجددت شرارتها في معظم مدن إيران، لتكون امتداداً لحراك شعبي امتد طيلة سنوات، تذكرني برسالة البوعزيزي في تونس في تضحيته بأغلى ما يملك، لتكون أيقونة وتجسيدا حقيقيا لمأساة الإنسان، ولكنها اليوم في حقيقتها ليست تظاهرة من أجل الخبز أو لتحسين الحياة المعيشية فقط، فهذه ما هي إلا واحدة من ضمن الشعارات، وذلك من خلال رفضها لكل أشكال الهيمنة التي يمارسها النظام بكل أطيافه، من إصلاحيين ومعتدلين ومتشددين وحرس ثوري، فقد وضعهم الشعب في خانة واحدة، وحمَّلهم تردي الأوضاع وقمع الحريات وانعدام العدالة الاجتماعية، وطالب برحيلهم وبدون استثناء.

 وظهرت كما يبدو أيقونة للثورة، راية بيضاء تحملها فتاة صغيرة، أصبحت رمزا لانتفاضة سلمية تمثل قيم السلام، وانتشرت بشكل كبير حول العالم عبر وسائل التواصل لتكون شعارا لكل المتعاطفين مع الشعب الإيراني الأعزل في ثورته لأجل الحياة.

 الشعوب الإيرانية تواجه آلة قمعية جبارة وباطشة تحكمها عقلية ولائية تهمش الآخر وتلغيه، وهي اليوم توجه رسالة قوية لكل العالم وأولهم ملالي إيران، وكل الطبقة الحاكمة وبدون استثناء، رسالة مؤداها أن إرادة الشعب لا تموت، وأن قداستهم المزعومة ليست حكرا أو خُلعة إلهية يفصلونها كيفما يشاؤون، وما هي إلا وهم يعشش في عقولهم المريضة، وكذبة أطلقوها وصدقوها على مر السنين.

الملالي ورديفهم جماعة الإخوان لا يؤمنون بالأوطان، وليس لديهم ثقافة إنسانية، ولا منهج للحياة، ولا حتى للعيش بسلام، عندهم أحلام، أعداء للفكر والحضارة الإنسانية، وكل الفنون والمعارف والعلوم، ولكنهم والحق يقال يتقنون فنون الخراب وكل أشكال الفرقة والشر والدمار، لقد عرفهم العالم بأسره من شرقه إلى غربه، فوجههم واحد مهما تجملوا، قاربهم مخروم ومجدافهم مكسور والبحر من حولهم هائج يمور، وستلفظهم ومن ركب مركبهم.. كل الشطآن.

ثورة الشعب الإيراني التصحيحية والتي طال انتظارها، يبدو أنها مستمرة وعازمة على كنس الملالي وأعوانهم وأذنابهم، مشاهدها تترى علينا وتتواصل، والعالم كله يرقبها ويراقبها، ويحبس أنفاسه تعاطفا معهم وخوفاً عليهم.