إن المشرع في أي مكان بالعالم يملك سجلات، وفي هذه السجلات تظهر الدراسات التشريعية لمشاريع القوانين

أو التنظيمات أو اللوائح التي لا ترى النور أو القوانين التي تقرّ وترى السماء، هذه الدراسات التي عادة ما تقوم بها لجان متخصصة، كلجان مجلس الشورى وهيئة الخبراء، أداة معرفية قانونية مهمة جدا، فأحيانا بسبب ما يكون هناك من غموض في النص -الذي تمّت مصادقته، وتم البدء في العمل به- وبالتالي لا تكون إرادة المشرع أو روح النص ظاهرة واضحة، لذا تلجأ الجهات الحكومية أو المحامون في أميركا إلى ما يسمى Legislative history?، وينظرون في آراء الأعضاء -اللجان التي تدرس مشاريع القوانين- ودراساتهم واستنتاجاتهم والأسباب ليعرفوا إرادة المشرع، أو روح النص.

لذا في مملكتنا الحبيبة تطالنا منذ فترة ليست ببعيدة حداثة قانونية، وبسببها أنشئت قرابة التسعين لجنة إدارية ذات اختصاص قضائي، تنظر قضايا لا يلمّ فيها إلا القانونيون، ويرأسها بمسمى مستشار لا قاض، هذه الحداثة تضع علينا نحن القانونيين عبئا كبيرا، المحامي والمدعي العام والمستشارون والباحثون يواجهون في كثير من الأحيان مشاكل كثيرة في فهم وجهة نظر المشرع، أو فهم روح النص، وهذا يعود إلى ضعف في الصياغة، أو يعود إلى أن المشرع في هذه المسألة يرغب في أن تكون الأمور عائدة لتكييف القاضي بناء على حيثيات القضية، فالمشرع لا يستطيع التشريع وتقنين كافة المشاكل في المجتمع، فالقانون هو انعكاس لحضارة المجتمع وانعكاساتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، فيكمل القاضي بإقراره المبادئ القضائية عمل المشرع في هذه الثغرات الآنية الجديدة.

لكننا للأسف كذلك لا يوجد لدينا نظام خاص بالسوابق القضائية وتفعيلها بإلزامية، فالسوابق إضافة إلى أنها أداة تعليمية توضيحية هامة للقاضي هي أداة متميزة لتثبيت خبرة القاضي، فأحكامه المميزة لا تتقاعد بتقاعده، أداة يتم من خلالها تثبيت مبادئ قضائية، ويعطى القاضي فرصة لإتباعها، أو يقر بأنها لا تصلح للوضع الحالي ويغيرها، ولكن العادة أنه يتبعها.

لذا أقترح على من يهمه الأمر وذوي الشأن أن يتم إيجاد نظام إلكتروني لإتاحة هذه الدراسات التشريعية للدارسين والمهتمين حتى يطلعوا على ما يفعله أعضاء مجلس الشورى وهيئة الخبراء الموقرون في لجانهم التي تدرس مشاريع القوانين، والجهة الأخيرة أعلى جهة قانونية في المملكة، لذا فهي مصدر مهم للتعليم والاطلاع على وجهة نظر المشرع السعودي وفهم فلسفته عن قرب.