يسّر الله لي حضور جلسة عامة من جلسات المؤتمر السنوي التاسع للمؤسسة الرائدة؛ مؤسسة الفكر العربي، مؤخرا في بيروت. الجلسة كانت بعنوان؛ (رأس المال البشري وتنمية المواهب: عناصر أساسية لبناء القدرات)، وتميزت بتقديم مجموعة من الخبراء للمحة عامة عن تجارب خاصة في ميادين مختلفة في بلادهم، في محاولة منهم لوضع تصور حول كيفية بناء القدرات والإسهام في صياغة مستقبل المنطقة. اللمحات والتصورات رشح عنها أن الإنسان هو الرأسمال الحقيقي الموجود في الأمة العربية، لا البترول ولا الغاز، خاصة أن الإحصائيات تذكر أن نسبة 47% من أعداد السكان دون 15 عاماً، مما يدل على أن أمتنا فتية وقوية، بينما تعاني أوروبا وأميركا من وجود متقدمين في السن بشكل كبير. ويعني هذا أن الاهتمام بالبشر لم يعد خياراً استراتيجياً، بل قراراً استراتيجياً، وأن السباق اليوم هو سباق أفكار بين الأمم التي لديها أفكار إبداعية أفضل. ظهر من الجلسة أيضا أن النموذج الفنلندي والسنغفوري والياباني خير دليل على أهمية العمل على العنصر البشري؛ فكل ما حققوه هو من وراء رأس المال البشري، وليس من خلال الموارد الطبيعية، وهذا ينعكس على المؤسسات والدول والمجتمعات.

كما تبين أن منظمة اليونسكو قد حددت 10 مهارات يجب على الجامعات الاهتمام بها؛ من أهمها قضية التواصل، وقضية التعليم الذاتي، وأن أول شيء في فن التواصل هو كيفية السمع وليس كيفية التكلم، وأن قضية التعلم الذاتي قضية مهمة جدا؛ وملخصها هو تعليم أبنائنا كيف يتعلمون وليس كيف يستهلكون.

وتبين أيضا أن الأوصاف التي يجب أن تتحقق في الإنسان القيادي هي أن يكون إنساناً قادراً على أخذ زمام المبادرة، وصاحب قدرة على تحسين الأداء، وأن يستثمر من وقته الخاص ليصل إلى نتائج جيدة من التجربة، وأن يكون إنتاجه على المقاييس المطلوبة. وكان من أجمل ما دار في الجلسة الحديث عن الجهات الأربع لتنمية الموارد البشرية وهي؛ الامتيازات الوظيفية، والنتائج المالية، والتدريب والتطوير، والابتكار.

ما ذكرته عن بعض ما دار في ثنايا الجلسة جعلني أؤكد على صحة أن رفع مستوى رأس المال البشري يشكل السبيل الأقوم للنهوض بالأمة، كما أؤكد في ذات الوقت على خطأ الاعتقاد بأنَّ قياس ثراء الأمم ورفاهية الشعوب إنما هو بوفرة ما تمتلكه من موارد طبيعية ورساميل ـ جمع رأس مال ـ فالواقع يبين أن الدول المالكة للثروات، عليها لكي تلحق بركب المتقدمين أن تهتم بموضوع (رأس المال البشري).

فعلى الصعيد الاجتماعي ينبغي وضع حد نهائي لتهميش المرأة، والعمل بشكل مباشر على دمجها في العملية التنموية. كما ينبغي تأطير الشباب وتثقيفهم ثقافة عصرية تربطهم بتعاليم دينهم السمحة، وتبعدهم عن أي سلوكيات تفضي إلى الانزلاق في هاوية الضلال والانحراف.

كما ينبغي العمل على الحد من عنفوان العقليات التي تقمع التعبير عن الرأي، فتقتل بفعلها الشنيع هذا روح المبادرة، وترسخ بدلا عنها الذل والخنوع.

أخيرا.. آمل من مؤسسة الفكر العربي أنْ تعمم نشر كل ما دار ويدور في برامجها، وتقوم بنشر دراساتها ونتائج تقاريرهـا بشكـل أكبـر وأكثر وخصوصا في المملكة.