بعيدا عن التعريف اللغوي للسلوك والوظيفة، والذي قد يعتبره البعض مجحفا في حال تم إخضاع أداء الموظف أو الموظفة لمفهومه، والذي يرونه تصورا فلسفيا ينمق المعنى في معزل عن بيئات العمل والشرائح التي يتعامل معها الموظفون على اختلاف أجناسهم وأعمارهم ومستوى تعليمهم، لذلك سيكون منظورنا بسيطا وفي سياق الواجب والذوق
العام الذي يجب أن يكون عليه هؤلاء الموظفون والموظفات، خاصة والبعض منهم يرى أن الوظيفة نشاط حركي وربما فوضوي أحيانا، وغير محكوم بسلوك تنظيمي يعكس احترام الشخص للمكان والوظيفة وحتى المراجع، والموظف وُضع في هذه المكان لخدمته وتسهيل إجراءاته، لا أن يهدر الوقت الذي هو ليس من حقه في الأحاديث الجانبية والأكل والشرب والطبخ أيضا، أي أن الأمر تعدى فرش سفرة الطعام على مرأى المراجعين إلى تخصيص وقت لإعداد وجبات دسمة، نماذج ليست قدوة تفتقر إلى الوعي بأهمية التقيد بأنظمة العمل والتعامل مع الجمهور، وعلى ما هي عليه من تسيب وعدم احترام يشغل البعض منها مناصب وظيفية هامة في الكثير من الإدارات.
وعندما تتساءل عن المميزات التي انفرد بها صاحبنا ليكون قائدا للمكان لا تجد سوى تزكيات مبنية على وجهات نظر فردية، لأنك وأنت تراقب عمل هذه الشخصية الفذة تجده يقضي جل يومه في التنقل بين المكاتب والأقسام يشغل الموظفين ويثير المشاكل والقيل والقال، وعند مواجهتها بقوانين الضبط الإداري تتملص وتلقي باللائمة على غيرها، وأن كل ما تحدثه من فوضى كان لأجل العمل، حتى وإن كان ما تدعي أنها تسأل عنه هو ذات الموضوع تعيد تكراره كل يوم، تصادفها في نفس المكان والزمان ومع نفس الأشخاص.
نحن نعلم جيدا أن في النظام ما يكبح جماح هذه الفئة غير الجديرة بهذه الأماكن، والتي يتطلب شغلها التركيز على خدمة الجمهور واستثمار الوقت في ذلك، بعيدا عن هدره فيما لا طائل منه، لكن الكارثة الأكبر أنك تجد في محيط هؤلاء من يدعمهم ويصفق لهم ويستحسن فعلهم واصفا إياهم بالمنجزين، وبعضهم ربما ينجز في ناحية واحدة لكنه سيئ التعامل والسلوك في نواح أخرى، ولو عُرض على أحدنا موظف منجز لكن دون نظام أو احترام للعمل، وقته الأكبر يصرفه في إثارة المشاكل، وآخر يتعامل ويعمل برقي وتهذيب وإنجازه أقل، فأغلبنا سيختار الأخير لأن الفوضى تقود إلى الفشل مهما حرصت على ترتيب إدارتك ومتابعة تطبيق النظام على موظفيك، لأن هناك عضوا فيها مهمته تخطئتك في كل ما تفعل وتحريض من يلتفت إليه بأن ما تدعو له ليس له أساس من الصحة وأنك ظالم وديكتاتور، بل قد يصل به الأمر إلى تجنيد تابعيه لدعم أهدافه والسير على نهجه، وعند أول سقطة يتخلى عنهم بكل بساطة ساعيا إلى إخراج نفسه من المأزق، زاجا ببقية المعاونين في لجة المشكلة، ولا نعول على هؤلاء كثيرا بل عمن يعلم حقيقتهم غير أنه يصر على استمراريتهم قادة عمل، وكان الأجدر بهم قبل أن يضعوهم حجر عثرة في طريق غيرهم أن يفكروا في العواقب التي تتسبب فيها هذه الشخصيات والتي تفتقر في الأساس إلى التأهيل، إضافة إلى محدودية التعليم، وهذه المحدودية مع تراجع الوعي لديها عززت هذا السلوك غير المقبول، بيمنا هناك من يماثلونهم في مقدار التحصيل، الفرق أنهم يمتلكون ثقافة ووعيا تنظيميا رائعا، وهم دائمو السعي لتطوير أنفسهم من خلال حضور البرامج التدريبية وورش العمل الموجهة، وهذه البرامج تحدث فارقا في مستوى الأداء وجودته ولا شك، ما هو ملح الآن هو معالجة أوضاع هذه الشريحة من الموظفين ومن الجنسين، لأن المرحلة الحالية والمستقبلية لا تتحمل وجودهم.
هناك عمل وخطط ضخمة تحتاج كوادر وظيفية واعية مخلصة، وتكون الأجدر بأن تحل محل هذه النوعية من الكوادر، والتي ترى أن من حقها شغل مناصب وظيفية والحصول على رواتب مجزية، وفي المقابل هي لا تعمل، وإن عملت فبمقدار ضئيل جدا لا يوازي الراتب المستحق، بل قد تمضي أياما وأسابيع لا تحرك قلما أو تطوي ورقة، وهؤلاء لن نقول إنهم يدخلون تحت مصطلح البطالة المقنعة فحسب، بل هم عامل قوي في تكريس الجهل الوظيفي والتمرد على الأنظمة، حيث إنك تجدهم على ما فيهم من عيوب أكثر الموظفين تشكيا وادعاء للمظلومية، والعلاج هنا يكمن في حصر تلك الفئات ومعالجة أوضاعها ليس بالتدريب فقط وإنما بتطبيق النظام عليها دون هوادة، حتى تعلم أن الوقت لم يعد يسمح لها بالتجاوز والالتفاف على الأنظمة، وإن وجد في ملفاتها ما يثبت إخلالها بالعمل تطبق في حقها القوانين الرادعة، لأن صحائف بعضها ممتلئة بالكثير من التجاوزات، منها استغلال الميزات الوظيفية لبعض الفئات لتتمتع بها دون وجه حق أو حتى مستند رسمي موثق صرح لها بذلك.
باختصار هذه المجموعات أمنت العقوبة في الدنيا والآخرة لذلك هي في تمادٍ، والرادع لها بعد الله بحصر مخالفاتها أولا ثم بتشكيل لجان قانونية تتابع ما ارتكبته وما زالت ترتكبه من مخالفات، وتصدر بحقها العقوبات المستحقة، وما هو حقيقة مثبتة أنه إذا كان هناك فساد مالي فهناك إداري أيضا ومتفشٍ بشكل ملفت.