الثورات العربية في تونس ومصر واليمن وسورية، إما أنها خرجت من المساجد أو احتمت بها في الأيام والشهور الأولى للثورة، وفي كل تلك الثورات كان الثوار يتجهون أولاً لمواطن الخلل الرئيسية، للإدارات الحكومية وأقسام الشرطة ومقرات الحكم والمحاكم، ثم يعودون مرةً أخرى إلى المساجد للتزود روحياً ومعنوياً ولترتيب أمورهم، أما في إيران التي تعيش هذه الأيام أجواء ثورة عارمة فالعكس هو ما يحدث، الثوار في إيران لم يتجهوا إلى مقرات الحكم ولا إلى أقسام الشرطة، إنما اتجهوا إلى الحوزات العلمية والحسينيات، يحرقون هذه ويهدمون تلك! إنهم جياع، مع هذا لم يتجهوا إلى المخابز والمطاعم، إنما إلى الأوكار التي حرمتهم لقمة العيش.
إن دور العبادة في الدول العربية التي قامت فيها الثورات قد اعتبرها الثوار مصدر أمان وطمأنينة وسلام، المساجد وحتى الكنائس بالنسبة لهم أماكن حماية وبحث عن حلول، بينما في إيران وبشهادة خط سير الثوار فالحسينيات والحوزات العلمية هي مصدر القلق والاضطراب، وهي أماكن تصدير كل المشاكل الاجتماعية، بمعنى أن الفقر والبطالة والفساد وغياب العدالة الاجتماعية والكثير من المشاكل الاجتماعية خرجت من الحوزات العلمية والحسينيات إلى مقرات الحكم والإدارات الحكومية وأقسام الشرطة لا العكس، فما الذي جنته الحسينيات والحوزات العلمية حتى أصبحت الوجهة الأولى للثوار في إيران؟
في البداية، الحسينيات والحوزات العلمية الإيرانية ليست فقط دور عبادة وأماكن لتلقي العلم الشرعي، المسألة ليست بهذه البراءة أبداً، بل إن مهمتها الأسمى وربما الوحيدة أن تصنع وتنتج سياسيين واقتصاديين وإعلاميين وعسكر ثم تصدرهم للمجتمع، وبعد التصدير تبدأ مرحلة مراقبة عمل هؤلاء وتوجيههم والحرص على عدم تجاوزهم للخطوط الشيعية الجعفرية الحمراء التي تم رسمها داخل الحسينيات والحوزات بعناية، أي إن الحوزات والحسينيات هي المتحكم الفعلي في مؤسسات الدولة المختلفة، أو بمعنى أدق هي حكومة الظل أو الدولة العميقة المتحكمة في الحريات الفكرية والإعلامية وفي السلوك الاجتماعي العام، وفي الاقتصاد ونظام الحكم وحتى في تجارة المخدرات.
إلا أن ما سبق ليس أخطر أدوار الحوزات والحسينيات الإيرانية، فأخطر أدوارها فعلياً أنها أماكن يتم فيها اغتيال عقل الإنسان وسلخه عن آدميته، ومن ثم تحويله إلى كائن طائفي حاقد صفيق في تعامله مع الآخر، كائن يمارس الكذب والنفاق واللؤم وإنكار الجميل في شؤونه الحياتية المختلفة، يمارس كل هذا بأريحية لا يشعر معها بتأنيب الضمير، فيخرج حينها من هذه الدُّور سياسياً واقتصادياً وإعلامياً وعسكرياً ليطبق على المجتمع ما تعلمه وتشبع به في الحوزات والحسينيات، والشعب الإيراني أكثر من يدرك حقيقة أن هذه الأماكن ليست أماكن عبادة وطمأنينة وسلام، إنما أوكار أفاعٍ تلدغ أول ما تلدغ المواطن الإيراني، لهذا توجه الثوار الجياع إليها أولاً لهدمها وحرقها بحثاً عن كسرة الخبز.
إن الثورة الإيرانية اليوم ليست ثورة على نظام حكم، وليست ثورة على فساد وبطالة وفقر، إنها ثورة على الدين الهجين من عدة معتقدات وعقائد وخزعبلات، ثورة على دين يلتقط الأسوأ من كل مكان ليتبناه، إنها ثورة على هذا المعتقد الذي تم بناؤه في المقام الأول على مجموعة عقد نفسية تجعل التابع له يمارس الفساد مبتسماً كونه يتقرب بالإفساد إلى الله، يتعبد الله بالكذب والجهل والغباء، ثم يلعن ويشتم كل من لا يشاركه هذا الغباء، إن السياسي في إيران إن لم يكن ابن الحوزات والحسينيات فهو تحت وصايتها ورقابتها الدائمة، تشكله كيفما تريد، وهي لا تريد إلا كائناً مستعداً لتحويل الأرض إلى خراب.
وهكذا أصبحت إيران دولة يحكمها ملالي المفترض فيهم أن يكونوا نزلاء دائمين للمصحات النفسية، فدينهم علمهم كيف يكذبون جيداً، وكيف يمارسون الدجل بشكل مفضوح، وكيف يتطرفون بشكل غبي، وكيف يقمعون من يخالفهم ويعدمونه في الشوارع ليكون عبرة أمام المارة، هؤلاء الملالي تربوا على اللطم، ومارسوه في السياسة والاقتصاد والإعلام ومختلف المجالات، يصعدون منابر الحسينيات لا للوعظ والإرشاد، إنما للكذب والافتراء، يلطمون حزناً على «آل البيت»، ويلعنون الأرض التي عاش فيها هؤلاء الأطهار، يبكون الحسين ويبصقون على المكان الذي ولد فيه، ينوحون على فاطمة ويمقتون قومها، الله في معتقدهم يقول شعراً رديئاً غير موزون، وعلي بالنسبة لهم فوق الخلق وربما بمنزلة الخالق، وفاطمة أم أبيها، ولا ميزة لأبيها إلا أن علياً ابن عمه! هذه أصنامهم التي نحتوها وفق تعليمات الحوزات، تعاليم مشوهة أنتجت أصناماً مشوهة.
الحوزة والحسينية في إيران أجبرتا السياسي أن يضع في الدستور مسألة الإيمان بالولاية كشرط من شروط المواطنة، وأن يضع فيه أيضاً أمر انتظار المهدي كمادة أساسية، من يخالفها يُعدم! وهذا المرشد الأعلى للثورة يجري 13 لقاء سريا بالمهدي قاصداً النصيحة والتوجيه، ومسؤول رفيع المستوى يصرح بأن تعيين أعضاء الحكومة لا يتم إلا بموافقة المهدي، واليوم تشهد إيران ثورة عارمة فماذا سيقول عنها أفراد هذا النظام؟
الأقرب أنهم سيرددون بصوتٍ واحد بأن الثوار ما خرجوا إلا لتأجيل ظهور المهدي! هذه هي تربية الحوزات والحسينيات الإيرانية، تُلمِع البهائم ومن ثم تصدرهم للتحكم في شؤون البلاد، فتكون النتيجة تخلفاً وفساد وأفعالاً قبيحة جعلت الشعب يرى الملالي شياطين تستحق الرجم، وتستحق أن يتم حرق أوكارهم وجحورهم التي ما بنوها ليعبدوا الله إنما ليتعلموا أصول الهدم.