«يا ولدي.. التعليم ما منه أمل» هكذا قالت لي عمتي عندما قلت لها إنني سأغير مساري المهني من الهندسة إلى التعليم، لأني اخترت هدفي في الحياة أن أصنع مستقبلا أفضل للأجيال القادمة من خلال تطوير نظام التعليم. ولكن مزيجا بين عنادي وتفاؤلي جعلني أواصل مشواري رغم مشورة الكثير بالبقاء في الهندسة. فهل كانوا على حق، أم اخترت الطريق الصحيح؟
عند وجودي خارج التعليم في مطلع الألفينية اعتقدت أن تطوير التعليم يعتبر من معجزات القرن، ولكن عندما عملت في عمقه بين الميدان في المدرسة والنظام في هيئة تقويم التعليم، رأيت الأمل في إصلاح التعليم، وإمكانية نقل الأمل للغير والشراكة في إحداث تغيير. خلال عملي، تغيرت عبارات «لا يوجد أمل» إلى «كيف ممكن نساعدكم؟»، فالكل يريد أن يكون جزءا من التغيير إذا آمن به. وخلال الأشهر الماضية قدمت عددا من المقترحات لتحقيق أولى خطوات إصلاح التعليم، كل مقترح يتطلب إنجازا لبعض المبادرات قبله، وعلى إثر ذلك بعض المبادرات بعده. والمقترحات تأتي مجردة من الزمن، ولكن المقترحات والمبادرات لا يمكن أن تتحقق دون وضعها في خطة زمنية متكاملة. فهنا أود عرض خطوات إصلاح التعليم من وجهة نظري:
أولا: تقليص الفجوة بين صانع القرار والميدان وبناء الثقة، ويأتي ذلك من خلال إطلاق مبادرات وبرامج وأنظمة تُمكن الميدان وتنقل للمسؤول الحقائق والواقع عما يحصل في الميدان. ويشمل ذلك مبادرات الاختبارات الوطنية، أتمتة عمليات التعليم لجمع البيانات، دعم المعلم داخل الصف، منح الصلاحيات لقائد المدرسة، فريق إدارة للمشاريع، التغيير عبر الإعلام، وغيرها من المبادرات التي ترتكز على تفعيل صوت الميدان وتمكينهم.
ثانيا: إعادة بناء نظام التعليم، ويأتي تحقيق هذا الهدف ابتداء من تحقيق بعض الثقة مع الميدان من خلال الهدف الأول. ولا يمكن إعادة بناء النظام دون إعادة بناء الثقة أولا. ويشمل ذلك تطوير نظام للتعليم العام، تعميم مؤشرات الأداء لعناصر النظام من إدارات ومعلمين وقيادات ومدارس، إعادة تصميم السياسات والإجراءات، وغير ذلك. نظامنا التعليمي الحالي متشابك، وإعادة إحياء النظام قد تستغرق فترة أطول مما نريد.
ثالثا: تطوير البرامج الأكاديمية والتعليمية، وقد يستعجب الكثير من تأجيل تحقيق هذا الهدف لآخر الخطوات. البرامج الأكاديمية والتعليمية القائمة تستمر والعمل على تطويرها يستمر، ولكن في ظل وجود بنية تحتية ضعيفة للعلاقات الإنسانية والأنظمة المؤسساتية، فإن نجاح مجال العمل الرئيسي للتعليم يبقى ضئيلا جدا، وعائد الاستثمار أقل من المأمول. وهنا تأتي مبادرات مثل التدريب النوعي للمعلمين، تطوير مناهج التعليم، البيئة المادية للمدارس، إدخال التقنية على التعليم، وغيرها من المبادرات التي تمثل بناء تعليم جديد.
أخيرا، العمل على تحقيق هذه الأهداف متقاطع لحد كبير وليس متتابعا. فالهدف الأول يحقق الثقة وتعزيز التواصل مع الركيزة الأساسية للعملية التعليمية، المعلم. ثم بعد ذلك يقوم الهدف الثاني بتأسيس البنية المؤسساتية والنظامية للتعليم. وتحقيق هذا الهدف سيتطلب الكثير من القرارات الصعبة والمصيرية، ولكن الميدان سيتقبلها بحكم أن الثقة متبادلة. ولعل ما يحدث الآن من ردة فعل الميدان السلبية حول محاولة تحقيق الهدف الثاني أو الثالث قبل الأول دليل على أهمية تعزيز الثقة قبل البدء في عمليات التطوير. وأخيرا، الهدف الثالث هو التوجه الرئيسي لأي نظام تعليمي ليضع تعلم الطالب أولا. إصلاح التعليم ليس بهذه السهولة، ولا يمكن تحقيقه في بضع سنوات، ومن المستحيل تحقيقه والميدان غير متوافق. تكاتف الجهود نـحو هدف واحد مع وجود الأمل والتفاؤل سيحقق حلم إصلاح التعليم.