تتمتع قبلة العالم الإسلامي مكة المكرمة ومحافظة جدة بوابة المملكة الغربية بمكانة يعجز الحديث عنها، وتهنأ باهتمام حكومي تمخض عنه مشاريع عملاقة متنوعة المجالات، وتعاني هذه البقاع في الوقت ذاته من ضعف إلى انعدام ربما في التفات رجال الأعمال السعوديين لها، يظهر جليا ذلك عندما فتح أميرها الناجح أمير مكة المكرمة الباب أمامهم ليشاركوا في تنمية بلدهم، ويطرح شطرا من رؤوس الأموال لمساهمة أفراد المجتمع على شكل أسهم اكتتاب؛ ولكن كانت الاستجابة ضعيفة جدا وقد تكون معدومة!

لقد قام أمير مكة الملهم بخلق منظومة ضخمة تسير بالتوازي لردم هوة طال أمدها بين واقع هذه المنطقة الثمينة ومكانتها، فأعاد تأهيل البنية التحتية، وأنشأ ورش عمل مستمرة منتشرة على أرض الواقع، ابتداء من توسعة الحرم المكي، مرورا بتطوير المشاعر، وصولا إلى مشاريع النقل العام وشبكات المرافق العامة، ما من شأنه تأهيل المنظر العام والرقي بالجوهر والمضمون.

في جدة ظهر مكة المكرمة وبوابة المملكة الغربية يدخل مطارها 5 ملايين نسمة سنويا، وتجوب شوارعها أكثر من 2 مليون سيارة يوميا، فانبثق من هذا ازدحامات كان حلها في مشروع النقل العام الذي يحمل 15 ألف راكب في الاتجاه الواحد، والذي يطول الحديث عنه، وإلى جانب مشاريع النقل العام العملاقة تأتي مشاريع تجمع بين جمال الطبيعة وجاذبية المعرفة كضاحية سمو الساحرة، ويأتي مشروع جدة داون تاون ومركز التكامل التنموي ومشروع مدينة السيارات ومشروع دار جدة، ومشروع قلب جدة، ومشروع وادي العسلاء، ومشروع ريماس جدة، ومشروع الضاحية السكني، كمشاريع تدهش الألباب، ذات مردود إيجابي على المستثمر والفرد والمؤسسات الحكومية معا.

ومن منطلق المصلحة المشتركة التي تقدمها القيادة الحكيمة لشعبها الكريم، ممثلة في صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، قام سموه بفتح باب المساهمة برؤوس الأموال من قبل رجال الأعمال السعوديين المستثمرين في صورة تجسد حب الخير للجميع، ما من شأنه تحصيل ربح دنيوي وأخروي لرجال الأعمال ذاتهم وللمجتمع بطرح جزء من رؤوس المال للاكتتاب في المساهمات الفردية.

هذه المشاريع العملاقة بكل ما تعنيه الكلمة علاوة على ما ذكر تولّد وظائف متعددة المجالات، من شأنها تقليص لا بأس به لمساحة البطالة.

لكن الغريب جدا علاوة على «صدود» المستثمرين السعوديين هو أن تجدهم يوجهون أموالهم إلى خارج بلدهم، الأمر الذي يبعثر التنمية في كثير من القطاعات، خصوصا المشاريع العقارية والسياحية، كما ينعكس على شريحة الشباب الباحث عن العمل، لقد بلغ ما يحوله السعوديون إلى الخارج خلال العام الحالي 73.11 مليار ريال بدلا من 71.3 مليارا للعام السابق وفقا لتقرير صحيفة الاقتصادية السعودية. وعندما قابل هؤلاء المستثمرون معروف بلدهم الذي تحصلوا على ثرواتهم منه بالصدود؛ قوبلوا بما لم يكن في الحسبان؛ ففي مصر تم منع المستثمرين السعوديين قبل عامين من نقل أموالهم خارج مصر، وكان حجم استثمارات المستثمرين السعوديين هناك 32 مليارا، وهذا يمثل المشاريع المسجلة في وزارة الاستثمار المصرية فقط البالغة 3200 مشروع، فيما تعدت العقارات المملوكة للسعوديين 62 ألف عقار، وقد تعثر أكثر من 50 مشروعا للمستثمرين السعوديين منذ ما يزيد على 20 عاما، ولربما انطبق عليهم المثل العربي «الجزاء من جنس العمل»! وفي تركيا هناك 300 شركة عقارية برؤوس أموال سعودية.

من هذا كله يتضح حجم التدفق المالي للمستثمر السعودي خارج بلده، وما قابله من تعثرات وعراقيل من شأنها تكبيده خسارات كبيرة، وكان الأجدى به أن يستثمر ماله الذي اكتسبه من وطنه في وطنه ولوطنه ولأبنائه وإخوانه، ومن وجهة نظري فإن البنك السعودي المركزي الذي صرح سابقا بأنه «لا عوائق على تحويل الأموال إلى الخارج» تقع على عاتقه مسؤولية كبيرة بهذا الصدد في الحد من إخراج أموال البلد لمن لا يشكر ربما، أو لمن يصير هذه الأموال ضد بلاد الحرمين للأسف.

أخيرا، فما أصدق الفيصل عندما قال لنا ونحن بمعيته في مجلسه العامر: «هذه المشاريع فيها خير كثير وثواب في بلد ضمن الله له الرزق والأمان».

وما أجمله عندما لخص الأمر كله قائلا: «أقسم بالله أن استثماركم في بلدكم أجدى مليون مرة من استثماركم في البلدان الأخرى، والدولة أعطتكم الفرصة في تطوير مدنكم، فانتهزوا هذه الفرصة، وابذلوا كل جهدكم في استثمار أموالكم في أوطانكم من أجل أبنائكم»؛ ولعل هناك حياة لمن ننادي..