ما يجري في العراق اليوم من ترتيبات وتحولات استعدادا للانتخابات التشريعية القادمة في منتصف مايو 2018، لا يقل أهمية عن عملية هزيمة تنظيم داعش الإرهابي، وما يزيد من حيوية هذه الانتخابات أن الكتل السياسية وافقت على دمج الانتخابات التشريعية مع الانتخابات المحلية، وبالتالي ستشكل نتائج الانتخابات المحلية والتشريعية تأثيرا في مستقبل العراق خلال السنوات الأربع المقبلة.
من جانبه، فالرئيس العبادي متحمس لولاية ثانية لمواصلة ما بدأه من إصلاحات، مما يجعلنا نتساءل عن مؤشرات نجاحه في ولاية ثانية، وعن التحديات التي يمكن أن تعوق ترشيحه؟
من ناحية مؤشرات نجاحه، نلحظ وجود ارتياح في داخل العراق، وفي المحيط الإقليمي، وحتى الدولي، بأن العبادي يستحق الفوز بدورة ثانية، نظرا للنجاحات الميدانية التي ميزته خلال السنوات الأربع الماضية، مقارنة بحقبة نوري المالكي.
فهناك من تحدث عن دور العبادي في منع تقسيم وتفتيت العراق، إذ أجهضت حكومة العبادي استفتاء استقلال إقليم كردستان، ولكن هذا الملف لم يغلق بشكل كامل بعد.
أيضا بادر العبادي إلى شن حملة وطنية ضد الفساد والهدر الكبير في المال العام، ومحاربة ما سمي بالموظفين «الفضائيين» في القوات المسلحة، وسائر الأجهزة الأمنية، وسعى إلى حد بعيد، لضبط «ملشنة» الدولة وسياسة «التطييف» والتدخلات الإيرانية في القرار السياسي للعراق، محاولا التزام الحياد، رغم الضغوطات، مع المكونات العراقية الأخرى.
خارجيا، عمل العبادي على بناء علاقات جيدة مع دول الجوار العربي، خاصة السعودية، وهناك رغبة متبادلة لمد جسور إعادة ثقة الشراكة للتشابك الكبير بين مصالح البلدين الجيوستراتيجية، والجيوسياسية، والتبادل التجاري، وذات الصلة باقتصادات النفط، والجوانب الأمنية، ونحو ذلك.
مع كل هذه المكاسب، يواجه رئيس الوزراء العراقي بعض التحديات الداخلية والخارجية. فعلى مستوى التحديات الداخلية، هناك احتمال أن يخوض حزب الدعوة الانتخابات النيابية المقبلة، بقائمتين منفصلتين أو جناحين متنافسين: يقود الأولى رئيس الوزراء حيدر العبادي، بينما يقود الطيف الآخر الأمين العام للحزب نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي، في وقت تظهر فيه باقي الأحزاب السنية والكردية غير متحمسة كثيرا لإجراء الانتخابات المقبلة.
فالسنّة غالبهم نازحون بسبب تدمير مدنهم خلال الحرب على «داعش»، والأكراد متضجرون بسبب أن العبادي سبق أن وضع شرطين أساسيين لبدء الحوار: الأول صدور إعلان صريح من حكومة إقليم كردستان بإلغاء نتائج الاستفتاء على الاستقلال الذي نال موافقة قرابة 92% من الكرد. والثاني: أن تكون الحكومة الفيدرالية هي من تدير المعابر الحدودية الدولية لإقليم كردستان مع تركيا وإيران وسورية.
أيضا، فمستقبل كثير من الفصائل الشيعية المعروفة باسم «الحشد الشعبي» ما زالت مصدر قلق للمجتمع العراقي شيعيا وسُنّيا.
فإذا كانت الفصائل التابعة إلى المرجع الشيعي علي السيستاني ومقتدى الصدر، أعلنت احترامها قرارات الحكومة، فإن الفصائل التابعة للولي الفقيه صرّحت بعدم موافقتها على تسليم أسلحتها، ورغبة قادتها في المشاركة في انتخابات مايو القادم، رغم عدم دستورية هذا القرار.
هناك بعض التحديات الإضافية أمام ترشُّح العبادي لولاية ثانية، ولكن تأثيرها سيكون محدودا على الفترة البسيطة المتبقية قبل الانتخابات التشريعية، ولكنها ربما تشكل تحديات كبرى أمام الحكومة العراقية المقبلة، من ذلك تحدي الأزمة المالية والفساد وانتقالها من مرحلة المعركة الكلامية إلى إجراءات قانونية تنفيذية، تشمل محاسبة كل المتسببين في قضايا الفساد، كما صرح بذلك العبادي قائلا «المعركة المقبلة ستكون ضد الفساد». هذه المعركة لن تكون سهلة في بلد ينخر الفساد جميع مفاصله منذ 2003.
هناك أيضا التحديات الخارجية التي تتعلق بتأرجح موقف أميركا من العبادي، والأزمة السورية، والأهم من ذلك هو عدم ارتياح إيران، المنغمسة في الوحل العراقي، لكل ما اتخذه العبادي من قرارات في الفترة الماضية، منها سياسات التقارب مع السعودية والعالم العربي. وقد تشكل إيران جبهة سياسية تقف أمام ولاية ثانية للعبادي، وتدعم غريمه المالكي، أو أي ممثل آخر لحزب الدعوة.
وفي ظل غياب للرموز السنية من لعب دور بارز في السياسة العراقية اليوم، يمكن التنبؤ بأن الانتخابات التشريعية لن تخرج نتائجها عن 3 سياقات كبرى: فإما سيبقى الرئيس الحالي حيدر العبادي، وإما سيرحل ويعود ائتلاف يقوده رئيس الحكومة السابق نوري المالكي، وقد تحدث مفاجآت وينتخب رئيس حكومة محسوب على التيارات العلمانية التي بدأت تلقى دعما من أميركا والغرب وبعض العرب. مع إمكان حدوث أيٍّ من السيناريوهات الثلاثة السابقة، إلا أن السيناريو الأكثر احتمالا وانطلاقا من مؤشرات أداء الحكومة الحالية، وحصولها على قبول جيد من الداخل والخارج، وكذلك من التيار الصدري ورجل الدين السيستاني وبعض القوى العلمانية، هو سيناريو بقاء حيدر العبادي لولاية ثانية، خاصة أنه لا يزال في الذاكرة أن حكومة العبادي هي من أخرجت العراق من عدة مستنقعات وأزمات تسببت فيها حكومة المالكي السابقة!.