لست ممن يحفلون كثيرا بتغير الأرقام في ورق التقويم، وبالتالي لم أنشغل لا بالتهنئة بالعام الميلادي ولا بالرد على التهاني، ولا بالجدل السنوي الذي بدأ منذ أن اكتشفنا الإنترنت تقريبا وانفتحنا على العالم، والذي ما زال مستمرا حول مشروعية الاحتفال برأس السنة الميلادية من عدمه. ولم أضع خطة لتحسين حياتي وشخصيتي في السنة الجديدة كما كنت أفعل في الماضي، وإن كنت مدركة لأهم أهدافي خلال الفترة المقبلة منذ بداية السنة الهجرية منذ أربعة أشهر. وعليه فإن يوم الأحد -ليلة الإثنين من هذا الأسبوع- كانت ليلة عادية وأقل من عادية بالنسبة لي. فلم أعد أهتم حتى بمتابعة الاحتفالات في البلدان الأخرى، أو بانتظار دقات الساعة الثانية عشرة بعد منتصف الليل ليُسدل الستار على العام المنصرم. الشيء المختلف هذه الليلة هو أنني كنت فعلا أفكر في عام 2018، ولكن كان من جهة مادية بحتة، فهي ستكون سنة مختلفة اقتصاديا علينا ولا شك.

ففي هذه السنة سيبدأ تطبيق ضريبة القيمة المضافة «VAT» على السلع والخدمات، كما سترتفع أسعار الكهرباء والبنزين بشكل غير مسبوق، وهي إجراءات -حتى وإن كانت ضرورية- فإن ذلك لن يمنع المواطن من الشعور بالقلق تجاهها. تفكيري بات منصبا على عائلتي الصغيرة، والتي يعمل فيها كلا الأبوين، وإنفاقها الاقتصادي المتوقع خلال الأشهر القادمة: الالتزامات البنكية بأنواعها، رسوم المدارس، راتب السائق والخادمة، تكلفة البنزين في مدينة متمددة طوليا مثل جدة، وتفتقر لأي نوع من المواصلات العامة، بحيث تجعلك تفكر في الاستغناء عن السيارة الخاصة، تكلفة فواتير الاتصالات والكهرباء، وأخيرا إيجار الشقة. وهي في مجملها التزامات أساسية لا تختلف عن التزامات أية أسرة سعودية من الطبقة المتوسطة/‏ المتوسطة العليا. هذا مع عدم احتساب تكاليف ارتفاع السلع أو الكماليات التي اعتدنا عليها.

وبما أنه لا سبيل لتغيير أو الحد من الإنفاق في هذه الجوانب الأساسية، فإن الأنظار يجب أن تتجه نحو المجالات الأخرى المتاحة مثل الترفيه والمناسبات والاجتماعية. والأسئلة المطروحة للأسر هنا هي من عينة: هل يجب أن نسافر للسياحة هذا العام كالمعتاد؟ هل نستطيع تقليل كلفة الرحلة أم لا حل إلا بإلغائها كليا؟ هل علينا التقليل من الاستمتاع بوسائل الترفيه المحلية القليلة أصلا، مثل الأكل في المطاعم، وأخذ الأطفال إلى مدن الألعاب؟ هل يجب التقليل من ميزانية الهدايا والعيديات وما يدخل تحت هذا البند؟ وبالتأكيد ستتراجع أهمية شراء أية جوالات أو أجهزة إلكترونية كان البعض قد اعتاد على تجديدها كل سنة أو سنتين.

ومع أنه تم السماح بقيادة السيارة للمرأة، لكن هل الوقت مناسب فعلاً لشراء سيارة جديدة -فيما لو رغبتُ بالقيادة- أم يمكن الاكتفاء بسيارة السائق وتأجيل الجديدة إلى السنة القادمة؟

ولا شك أن حال الأسر الأضعف دخلاً سيكون مختلفا وأسئلتها أيضا مختلفة. فلكل عائلة أولوياتها وكماليتها، وهي من يقرر الوجه الأمثل للتعامل مع المتغيرات الجديدة، لكن بالتأكيد هذا العام سيكون مختلفا في حياة السعوديين، وليس بالضرورة سلبيا. فتعلم كيفية وضع ميزانية متوازنة للأسرة متناسبة مع الدخل، وترشيد الاستهلاك، مهارات ضرورية يمارسها الناس حتى في الدول الصناعية الكبرى، ولكن هذا لا يلغي كون كل تغيير صعبا ومؤلما في بدايته، خاصة لتلك الأسر ذات الدخل المحدود وما دونه، فهناك نوع من التوازن الطبقي في المجتمع، فكل طبقة تخدم من فوقها وتعين من تحتها، ولكن مع شد الأحزمة قد يجد بعض المحسنين نفسه مضطرا للتركيز على التزاماته المادية قبل تبرعاته الخيرية، وعلينا هنا أن نذكره وأنفسنا بأن نـحاول ما استطعنا عدم إغفال وجوه الخير، فما نقص مال من صدقه.

أتمنى أن يدرك التجار، بمن فيهم أصحاب المنشآت السكنية وملاك المدارس وغيرهم، هذه الظروف الجديدة، وألا يعمدوا إلى رفع أسعار الإيجار ورسوم المدارس بما يزيد على الضريبة المفروضة عليهم، فتلك أعظم مساعدة يقدمونها لمجتمعهم، وإلا فإنهم قد يواجهون الكساد والإفلاس لضعف قدرة الناس على تحمل هذه التكاليف، فقليل دائم خير من كثير منقطع.

كذلك قطاع الأفراح وكل ما يدخل تحته من قاعات ومستلزمات وتصوير وما إلى ذلك من كماليات (تعتبر في الوقت نفسه أساسيات)، يجب أن تراعي الحالة الجديدة للناس. فالتصاعد المستمر في الأسعار دون رادع بشكل سنوي أو نصف سنوي يجب أن يتجمد خلال الفترة القادمة، فسيكون من الجيد جداً إن تمكن الناس من التعامل مع الأسعار القديمة بالواقع الجديد، ناهيك عن أية زيادة متوقعة.

كل المجتمعات تمر بفترات ركود وانتعاش اقتصادي، وذلك مثبت في القرآن الكريم في سورة يوسف والسنوات السبع السمان والسنوات السبع العجاف، وليس لدي شك في أننا سنتجاوز الأيام الصعبة، ودعوة سيدنا إبراهيم -عليه السلام- لهذه البلاد المباركة باقية، ولعلها فرصة لمراجعة طريقة حياتنا ونمط معيشتنا، وفرصة للمبذرين ليتوبوا ويرتدعوا.

وهي أيضا مناسبة مهمة لتخطيط جديد سليم لمستقبل البلد واقتصاده يشارك المواطن في رسم معالمه ما دام قد بات في النهاية متحملا لتكاليفه بشكل مباشر.

حفظ الله بلادنا من كل شر، ورزقها من واسع فضله.