ننتظر في الفترة المقبلة إعلان الموازنة العامة التقديرية للمملكة للعام المقبل بالإضافة إلى الأرقام الفعلية لمصروفات وإيرادات ميزانية العام الماضي. ويتوقع الاقتصاديون أن يتضمن إعلان الميزانيات تحقيق فائض عن العام الماضي، على الرغم من العجز المتوقع عند تقدير الموازنة. ولكن الجزئية الأهم في إعلان الموازنة هي الجانب الآخر، وهو المصروفات. فالأرقام الفعلية ستبين لنا مدى الانضباط في الإنفاق الحكومي، بالإضافة إلى تقديرات الإنفاق للعام المقبل ونسبة الزيادة المتوقعة.

هذه الأرقام والمؤشرات من الأهمية بسبب الأجواء التضخمية التي يعيشها الاقتصاد السعودي، والذي حتى وإن كان مستوردا، إلا أن السياسة المالية الحكومية تقوم بتعزيزه. ولكن على الرغم من ذلك، فمن المتوقع ارتفاع المصروفات الحكومية في الميزانية المقبلة بسبب الارتفاع المستمر في أسعار النفط.

اعتمادنا على النفط كمكون رئيس للإيرادات يعمل كعائق أمام تقدمنا الاقتصادي. فتصبح ميزانياتنا أسيرة لتقلبات الأسواق، عدا أن هذا الأسلوب لا يمكن أن يستمر. فتمويل المصروفات من إيرادات النفط سيخنق النمو الاقتصادي الذي يعتمد بشكل كبير على الإنفاق الحكومي. فمع مرور الوقت، سنضطر إلى زيادة الانتاج لتحقيق إيرادات أكبر تكفي لتغطية المصروفات الحكومية المتزايدة. زيادة الانتاج ستؤثر على الأسعار، وبالتالي لن تكون حلا مستداما، عدا أنها تستنزف من احتياطيات الأجيال المقبلة.

ومع الاستمرار في مستويات الإنفاق الحكومي المرتفعة، فإنها ستستنزف الفوائض المالية المحققة سابقا ثم نشهد زيادة مطردة في الدين العام. وعند وصول الدين العام لمستويات خانقة، سيتوقف الإنفاق الحكومي عن النمو ويدخل الاقتصاد في كساد.

لن يكون في مقدور القطاع الخاص انتشال الاقتصاد من هذا الكساد لأن دوره كان محدودا لأن الاعتماد المفرط على الإنفاق الحكومي أبعد القطاع الخاص عن عملية التنمية. ولذلك ينبغي العمل من اليوم على استراتيجية لتخفيض الاعتماد على إيرادات النفط لتمويل التوسع الاقتصادي.

أمر الملك عبدالله بوقف التنقيب عن النفط يشكل حجر أساس لهذه الاستراتيجية، فهو يضع حدا لعدد السنين التي يمكن فيها تمويل المصروفات بالنفط.

الخطوة الثانية في فصل المصروفات عن عوائد النفط تكمن في زيادة دور القطاع الخاص في عملية التنمية الاقتصادية.

وحتى يتمكن الاقتصاد السعودي من الاعتماد على القطاع الخاص، فلابد من تأسيس البنى الأساسية اللازمة، والتي يمكن أن تمولها الحكومة بالاشتراك مع القطاع الخاص بالإضافة إلى الاقتراض من المصارف المتخمة بالمال عوضا عن إيرادات النفط. بهذه الطريقة يتم ضبط المصروفات الحكومية بشكل أكبر والتأسيس لموازنة تسترد قيمة استثماراتها مع الوقت.