والغرباء هم الذي يصلحون إذا فسد الناس، وهم الذين يصلحون ما أفسد الناس من سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وهم أناس صالحون قليل، في أناس سوء كثير.
فلا يضرهم كثرة الباطل، ولا كثرة القائلين به، ولا يستوحشون من قلة الأعوان، فيكفيهم استحضارهم أنهم على جادة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، هذه الرفقة تغنيهم عن رفقة من سواهم.
والحق يعرف بالدليل، وليس بالكثرة ولا بالقلة، وما يتوهمه بعض الناس من أن الكثرة دليل على صحة المنهج، غير صحيح، بل الصحيح أن أكثر الناس لا يعقلون ولا يعلمون ولا يشكرون، وأن كثيرا منهم فاسقون، كما قال تعالى (وإن كثيراً من الناس لفاسقون)، وقال تعالى: (ولـكن أكثر الناس لا يعلمون)، وقال تعالى (وإن كثيراً من الناس لفاسقون)، وقال تعالى (ولـكن أكثر الناس لا يشكرون)، وقال تعالى (وأكثرهم لا يعقلون)، وقال تعالى ( وأكثرهم للحق كارهون)، وقال تعالى (فأبى أكثر الناس إلا كفورا)، وقال تعالى (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث)، وقال تعالى (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله)، وقال تعالى ( وقليل من عبادي الشكور)، وقال تعالى (فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين)، وقال تعالى (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم).
فهذه الآيات وما جاء في معناها، تجعل الإنسان يتمسك بالحق - والحق هو ما أمر الله به ورسوله - ولا يتأثر بكثرة الناس أو قلتهم، صحيح أن الإنسان يفرح بكثرة الأعوان على الخير، لكن قلتهم لا تفت في عضده، ولا تجعله إمعة، يقول سمعت الناس يقولون شيئا فقلته، وإنما يوطن نفسه ألا يقول ولا يفعل إلا الحق، ولا يبتئس من قلة الأعوان، فيكفيه أنه في رفقة السالكين للحق من الرعيل الأول، محمد عليه الصلاة والسلام وصحبه، وصبر المسلم على الحق مع قلة الأعوان يعظم له الأجر، كما في الحديث الذي رواه أبو داود (إن من ورائكم أيام، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن أجر خمسين رجلاً يعملون مثله، فقيل: يا رسول الله أجر خمسين منهم؟ قال: بل أجر خمسين منكم)، وفي رواية (تجدون على الخير أعواناً، ولا يجدون على الخير أعواناً)، ولهذا استحقوا هذا الأجر العظيم، والبشارة بالجنة، كما في قوله عليه الصلاة والسلام (طوبى للغرباء)، وقد جاء في الحديث (طوبى: شجرة في الجنة يمشي الراكب المجد تحتها مئة عام لا يقطعها).
وقد أنعم الله على بلادنا السعودية أنها انفردت بنعم عظيمة تميزت بها عن غيرها، ومن ذلك أني لا أعلم دولة على وجه الأرض اليوم ينص دستورها على أن الكتاب والسنة هما الحاكمان على جميع أنظمة الدولة، إلا هذه البلاد السعودية، ولا أعلم دولة على وجه الأرض اليوم ينص دستورها على حماية العقيدة الصحيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا هذه البلاد السعودية، ولا أعلم دولة على وجه الأرض اليوم يعلن ولاتها الاعتزاز بالعقيدة الصحيحة، ويتشرفون أن بلادهم أسست على التقوى من أول يوم، وأنهم سيستمرون على ذلك وإن كره الكارهون إلا البلاد السعودية، والخصائص الطيبة التي انفردت بها هذه الدولة السعودية كثيرة، ولا يعني هذا عدم وجود نقص أو خطأ، فالأخطاء موجودة، بل ووجدت حتى في القرون المفضلة، وفي زمن النبي عليه الصلاة والسلام، وجد من شرب الخمر، ومن زنى، ومن قتل، ومن سرق، ولكنها بحمد الله تعالج، وتقام الحدود، عبر المحاكم الشرعية، والأنظمة المرعية.
ويؤسفني ما أسمعه وأقرؤه من بعض من سفه نفسه، ورق دينه، من (بعض) الإعلاميين المنهزمين، ممن يضيق ذرعا بتلك الخصائص الطيبة، ويجعلها مآخذ وسلبيات، ومن يك ذا فمٍ مرٍ مريضٍ * يجد مراً به الماء الزلالا.
ولهذا تجد أحدهم كلما أراد التسويق لمنكر، أو طمس خير تميزت به بلادنا، قال: كل الناس والدول تفعل كذا وكذا، هل كل الناس على خطأ ونحن على صواب؟
هذه حجتهم البليدة اليتيمة، وهي حجة داحضة أبطلها الله في كتابه كما في الآيات التي أوردتها في أول المقال.
نعم الأمور الطيبة نأخذها، والحكمة ضالة المؤمن، ونستفيد من التطور العلمي والتقني عند غيرنا، ونترك ما سواها مما يتعارض مع ديننا، ولا ينفع وطننا.
والمأمول من كل مسلم في بلادنا: أن يعتز بدينه، ويفرح بما منّ الله على وطننا من خصائص عظيمة، من أبرزها كونها مهبط الوحي، ومنبع الإسلام، ومأرز الإيمان، وفيها الحرمان الشريفان، تلك خصائص لا توجد في بلد قط غير البلاد السعودية، ويفرح أيضا بما منّ الله على قيادتنا من نصرة التوحيد والسنة، والتشرف بهما، منذ مئات السنين ولايزالون، وهم مع هذا بحمد الله لا يستخفنهم الذين لا يوقنون، وما أحسن قول الملك عبدالعزيز رحمه الله الآتي (أنا عندي أمران لا أتهاون في شيء منهما، ولا أتوانى في القضاء على كل من يحاول النيل منهما ولو بشعرة، الأول: كلمة التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله اللهم صل وسلم وبارك عليه، إني والله وبالله وتالله أقدم دمي ودم أولادي وكل آل سعود فداء لهذه الكلمة لا أضن به.
والثاني: هذا الملك الذي جمع به شمل العرب بعد التفرقة، وأعزهم بعد الذلة، وكثرهم بعد القلة، فإني كذلك لا أدخر قطرة من دمي في سبيل الذود عن حوضه).