قبل ما يقرب من العام، أتذكر أنني كتبت هنا مقالاً لا شيء فيه سوى الأسئلة التي تستمطر كل الإجابات المبهمة عن إيران، وبالتحديد عن قوة الدولة وعن تماسك المجتمع. كنت ولا زلت مصراً على أن الفهم العربي لما يحدث في إيران لا زال محدوداً وغامضاً. ساهم في هذا أن إيران دولة مقفلة ومعزولة لا علينا فحسب، بل على العالم بأسره. لا يصلنا منها سوى ما تريد أن تبثه بعض دعايات الإعلام القطري وبضع قنوات لبنانية. لا يسمح الداخل الإيراني بتواجد مراكز أبحاث واستطلاع ولا يقبل الانفتاح مع «الآخر» إلا ما كان لطلاب الحوزة العلمية، وهم في الأصل لن يعودوا إلينا ليقولوا أي شيء عن مشاهدات «الدولة والمجتمع» عطفاً على الولاءات العقدية.

وحين انتفضت عشرات الآلاف من الإيرانيين نهاية الأسبوع الجاري وحتى اللحظة لم يصلنا شيء سوى تسريبات وسائل الاتصال الفقيرة المحدودة. ومع هذا ستبقى الكلمة العليا لقمع الحرس الثوري ومنظومة «الباسيج» مثلما فعل في ثلاث مرات سابقة. الفارق أن دوافع انتفاضة الشارع الإيراني هذه المرة كانت ضد الجوع والفقر وهذا مؤشر لافت للغاية. في المرة السابقة قبل ثمان سنوات كانت ضد الإقصاء السياسي لثلاثة مرشحين للرئاسة الإيرانية. انتفاضة الجوع والفقر الحالية يشرحها رقم بسيط جداً يشرح هشاشة الاقتصاد الإيراني: يوم الأحد الماضي، ورسمياً تقدم حسن روحاني إلى البرلمان بتفاصيل الميزانية الجديدة. وفي الرقم الفقير المعلن تبلغ ميزانية إيران 126 مليار دولار، وفوق هذا بنسبة عجز تبلغ 28%، وبالافتراض لحياة ما يزيد عن 83 مليون مواطن إيراني. خذ في المقابل أن الميزانية السعودية تبلغ أكثر من ضعف الميزانية الإيرانية وبنسبة عجز تصل إلى 8% لمواطنين مستهدفين هم في العدد أقل من ثلث رقم السكان الإيراني. وكما يقول المعارض الإيراني صبري خليل آزادي فإن هذه الميزانية الهزيلة جداً هي النافذة الجوهرية لفهم الوضع والواقع الإيراني من الداخل. يضيف: وقع ساسة إيران في فخ الاستنزاف الذي كانوا يتوهمون أنهم سيسحبون أعداءهم إليه دون أن يدركوا أن لهؤلاء، وللسعودية بالتحديد، إمكانات اقتصادية هائلة تسمح لها بالصبر على الوقت حتى نجحت بتجفيف الاقتصاد الإيراني إلى الحد الذي وصل فيه الدين الإيراني إلى ضعفي ناتجها المحلي.