يتعرض الإنسان في حياته، لأكثر من ردة فعل عاطفية ونفسية تتغير وطأتها، تبعاً للظروف والمواقف المختلفة التي تمر به. فتهاجمه خيبات وإحباطات وهزائم، يتصارع معها بشكل متواصل، قد تصيبه بكدمات وجروح، ويدخل على أثرها في نوبات من الحزن، وفقدان التوازن والثقة. فإن كان قويا وصبورا انتصر عليها وخرج منها بسلام. وإن كان ضعيفا وسلبيا فسيظل عالقا بين هزائمه وظله زمنا طويلا. أثناء ذلك العراك، يتربص عادة ضعاف النفوس وعديمو الأخلاق، بالإنسان في لحظات ضعفه، لاستغلاله أسوأ استغلال.
فحين قام المركز الوطني للطب البديل والتكميلي، بمنع العلاج بالطاقة والتدريب عليه، لم يكن ذلك من فراغ، أو دون دراية عما يدور داخله. بل حفاظاً على صحة وسلامة أفراد المجتمع، وحمايتهم من الادعاءات العلاجية الضارة، التي تدفعهم إلى الالتحاق بدورات، أقل ما يمكن أن يقال عنها، دورات احتيال، تبيع الوهم بمسحة طبية مُعقمة. في ممارسات بعيدة كل البعد عن الأدلة العلمية المنهجية. فحين يقتنص بائع الوهم فريسته، يختارها بعناية، ليقنعها بأن هذا النوع من العلاج بالنسبة لها، القشة الأخيرة للنجاة، لذا عليها أن تتعلق بها جيداً، إلى أن يرسو بها على شاطئ الأمان. فمن غير تلك القشة (العلاج بالطاقة)، سيكون مصيرها الغرق لا محالة. ويعتمد المعالجون بالطاقة في العالم العربي، والخليجي خاصة، على سرد قصص نجاح وهمية، يلبسونها ثوبا علميا، يتضارب مع العلم ذاته. فيسردونها بطريقة جذابة ومشوقة، ليروّجوا لأهمية الالتحاق بالدورات التدريبية المعجزة التي يقدمونها، ويستعرضون فيها، قواهم الاستثنائية الخارقة على الشفاء. فبعضهم يدعي أن لديه بركة في يديه، ويملك أساليب فنية دقيقة، في سحب الطاقة السلبية والزائدة، وإلقائها خارج جسم المريض، كمن يلقي بقطعة بسكويت في قلب بحيرة، تطفو قليلاً على السطح قبل أن تبتلعها البحيرة وتتلاشى تماماً.
ومثلما تشم الحيوانات المفترسة، رائحة الخوف عند الإنسان، وتُغريها للانقضاض عليه وافتراسه. يشم باعة وهم العلاج بالطاقة والتنمية الذاتية، رائحة الاضطراب والقلق النفسي وضعف الثقة، التي تصيب الإنسان. ولا يحتاج الأمر في كثير من الأحيان، إلى مهارات متخصصة، تكشف الشخصيات المضطربة أو المرهقة نفسياً. فالغرابة التي تحيط بهم، عادة ما تكون واضحة بشدة، لذلك يصطاد باعة الوهم ضحاياهم بمنتهى السهولة.
وهذا النوع من العلاج الوهمي، استمرت ممارسته في الخفاء، فترة من الزمن، حيث اعتاد بعض العرب والأجانب، تنظيم تلك الدورات بسرية تامة دون ترخيص، في بيوت بعض الأسر الكبيرة، وفي المجمعات السكنية، المخصصة للأجانب فقط.
ويعتمد باعة وهم العلاج بالطاقة، في التقاط الأشخاص المدمرين عاطفياً، مثل أي إنسان خرج من تجربة زواج فاشلة، أو مشكلة أسرية معقدة، على إقناعه بأنه سيتخلص من كل هذا الألم، بإخراج الطاقة السلبية من جسده، إن استمر بحضور أكثر من جلسة، تستهدف في الأساس جيبه.
والمثير للاستغراب حقاً، موضة العلاج الجماعي من على بعد، والذي أقنعهم بها باعة الوهم، حيث أصبحت تمارس عن طريق واتساب، في جلسات يقوم بها المعالج، من دولة أخرى، ويشترك فيها مجموعة من المهووسين، العاشقين للتعلق بالسراب، مدعين أنهم أثناء تلك الجلسات، يشعرون بالطاقة السلبية، تتسلل من أطرافهم، ومن رؤوسهم، وبثقل يغادر صدورهم شيئا فشيئا، ثم يتملكهم الانتعاش، فيشعرون برداء سميك من الطاقة الإيجابية، تلفهم بحنان كالشرنقة، فيستمدون منها قوتهم وسعادتهم، وكأنهم وُلدوا من جديد، وهكذا من تلك التعابير الفلسفية. وحين يمنحهم المعالج الكثير من الاهتمام، وتزيد ثقتهم بأنفسهم، تتملكهم نشوة وغرور، ويبدؤون بترديد نفس العبارات والألفاظ، التي كان يمارسها المعالج عليهم، على من حولهم، ويصدقون أنهم تحولوا إلى معالجين أيضاً، فيبالغون بالتظاهر بالمعرفة وبأشياء، لا يفهمها من حولهم. فيدمرون أنفسهم دون أن يشعروا، فيفسدون علاقاتهم الاجتماعية والأسرية، متذرعين بأنهم بذلك تخلصوا من الأشخاص السلبيين. ولا يشعر الذي يتلقى العلاج بالوهم، مدى التدمير النفسي الذي لحق به، إلا بعد فوات الأوان حتى بعد أن يرحل جميع من حوله، الواحد تلو الآخر يظلون مصرين على أنهم أصبحوا في أفضل حال، حتى لو بقوا بمفردهم.
العيش مع الأوهام مرض العصر، ينبغي أن ننبه النائم داخله ليستيقظ، لأن علاجه يتطلب فقط أن يفتح عينيه بوضوح ليرى، أن من يأخذ ماله ويسيطر على عقله، في لحظات ضعفه، ويبيعه الوهم في الهواء، لا وجود له من الأساس، مهما تراءى له ملوحاً بالقشة، مدعياً أنها الأخيرة، والحل الوحيد للنجاة.