بعد إعلان وزير المالية عن صرف مستحقات المقاولين أصبحت ترى ورش عمل وبناء مستمرا لكثير من المشاريع المتعثرة، والتي مضى عليها قرابة عام، لكنها اليوم أصبحت ورشة عمل ليلاً ونهاراً، بدءاً من مشاريع الحرم في مكة والمدينة والجسور والأنفاق التي قامت أمانات المدن مشكورة بشقّها في كبريات المدن السعودية، تمهيداً لانطلاق النقل العام فيها أواخر عام 2018 أو بداية عام 2019، ولا نَنسىَ مطار الملك عبدالعزيز الدولي في جدة والمطارات الإقليمية التي وجهت الدولة سابقاً بإنشائها، هذا كلُّه يؤكد ما قاله الوزير، لكن ما تَخافُه هو سرعة الإنجاز دون محاسبة على الجودة، وهذا حدث في بعض المشاريع السابقة التي كشَفتها كثافة نزول الأمطار على المدن الرئيَّسية، وما صاحبها من قيام لجان المحاسبة منذ سنوات وإلى اليوم، إذْ دخل ملف الفساد الذي وجه به الملك -حفظه الله-.

 بعض المشاريع وجد فيها خلل كما حصل في جدة، إن ملاحظتي اليوم هي ماذا بعد صرف المليارات من جديد للمقاولين، هل سنعيش دوامة جديدة في عملية إهمال مُحاسبة المشاريع المتعثّرة؟ لقد فعلها سمو نائب أمير منطقة مكة المكرمة في إحدى زياراته لبعض المشاريع بقوله «هذا إهمال وتقصير»، وفعلها أمراء ومسؤولون آخرون، وكنت أتمنى أن المحاسبة تأتي من القاعدة من مهندسي استلام المشاريع الذين يقضون نهارهم وليلهم مع المقاول، وفي النهاية تُوقّع له شهادة إنجاز، ومعها تصرف مستحقات ذلك المقاول رغم خلل ما في هذه المنشأة أو تلْك، يصعب معها بعد صرف المستحق أن تعود إلى المقاول، إذ بعدها ينشأ وبكل أسف إعداد مشروع صياغة أو تعديل وبقيمة جديدة وترسية عقود أخرى، وهذا ما حدث بالفعل في ما كتبت عنه الصحافة يوماً من الأيام مع علمي بأنها أُحيلت إلى مقاولين جدد وعلى حساب المقاول السابق.

اليوم نحن أمام بعض المشاريع الناجحة، والتي تصاحبها متابعة قوية من أبناء المدن وأمراء المناطق خوفاً من المحاسبة بعد قيام اللجنة العليا لمكافحة الفساد، وقد يأتي مع هذا الحرص التغاضيْ عن بعض المواصفات ذات الجودة العالية، فينعكس ذلك على تردّي هذه المشاريع المتعثرة، وأتمنى أن ترفع الأمانات والجهات الحكومية بحزم تجاه تنفيذ المشاريع المتعثرة، والتأكيد على أن ترفع مستوى الرقابة قبل الاستلام.

لقد شاهدت ذات يوم أحد الشوارع المتعثرة في مدُننا، وسألت المقاول حينها لم هذا التعثر، ثم ما هذا الإنجاز؟ اليوم تهدم الأرصفة بطريقة تخلّ بالمظهر؟ فأجابني: سنتولى إعادة ترميمه. وقد مضى عام ونصف العام وأنا أشاهد منظراً غاب عنه الرقيب وغابت عنه ضمائر الإخلاص، وظل هذا الموقع يئن إلى ساعة كتابة هذه المقالة، ولم يقف على هذا المشروع أي مهندس، بينما المقاول غاب هذه الفترة! فإن كان قد استلم المستحق فهذه كارثة، وإن لم يكن قد سُلّمَ حقوقه فهو بهذا يعاقب قطاعه الذي يعمل فيه بهذه المدة الزمنية، ولو أنَّ كل مسؤول عُني بما يخصه لما وجدنا هذا التهَّرب من المسؤولية التي أنيطت بالمسؤولين دون استثناء، وعلى المواطن تقع مسؤولية الإبلاغ عن الخلل، وعلى المجالس البلدية أنْ تقوم بدور تلقّي الشكاوى والوقوف على الطبيعة ومحاسبة الجهة التي قصرّت في حق الوطن، وبالمناسبة حتى اليوم لم نَرَ وقفةً جادة من المجالس البلدية في كبريات المدن الرئيسية، وأذكر مثالاً؛ هل كشف المجلس البلدي خبايا سيول جدة، وخبايا تعثّر المشاريع في بعض المدن التي قام وزير النقل أو أمناء المدن أو أمراء المناطق بسحْبها من المقاولين وإخضاع المقصّرين للمساءَلة؟

كلنا نتطلع اليوم إلى إعادة اللجان المشكلة لمراقبة المشاريع بعد استلام المقاولين لحقوقهم أو لغالبية حقوقهم حتى تَمضْيَ العجلة ويَقلّ التعثّر وتزدهر المدُن بأضخم المشاريع التي تربط أطراف المدن عبر جسور وأنفاق، وكذلك المدارس والجامعات والجهات الحكومية التي تنتظر مشاريعها، وعلى المجلس البلدي أن يُفعّلَ دوره في الرقابة والمتابعة والتوصية للجهات ذات الاختصاص بالملاحظات ومتابعة معالجتها، هذا هو المأمول في ظل استلام المقاولين لحقوقهم حتى نعيش في بنية تحتية حديثة وقوية في زمن الحزم والعزم والقوة ودمتم بخير.