خلال موسم البرد ينتاب العديد من الناس فيروسات تسبب أمراض الجهاز التنفسي العلوي كالزكام والتهاب الحلق أو اللوزتين، فيتوجه نسبة منهم إلى المستشفيات الحكومية والمراكز الصحية لطلب العلاج.
عندما يدخل أحدهم عيادة الطبيب يبدي شكواه، ثم يذيلها بقوله «يا دكتور أريد مضادا حيويا»، وتصرف، مثل هذا يدل على أن المجتمع يعاني من نقص في الخلفية المعرفية الطبية جدا، وقد لا تكون هذه مشكلة كبيرة؛ إنما المشكلة هو أن يستجيب الطبيب لطلب ورغبة مريضه!
ولأخبرك بشيء هام أخي القارئ: إن المضاد الحيوي -واسمه الآخر علميا المضاد البكتيري Anti-bacterial- هو عبارة عن مادة علاجية تقاوم البكتيريا «والبكتيريا فقط- بطرق مختلفة تخص كل عائلة من المضادات.
وإن أمراض الزكام والحنجرة واللوزتين تنقسم إلى أقسام، أهمها إما أن يكون الالتهاب فيروسيا -وهو الأغلب- وإما أن يكون بكتيريا.
من هذا يتضح أن استخدام المضاد الحيوي «المضاد البكتيري» يستخدم لعلاج الالتهاب البكتيري، وهو الأقل شيوعا؛ أي بمعنى أنه لا يصح استخدامه للالتهابات الفيروسية ولا ينفع، بل إنه سيكون ضارا، إذ يقوم بمحاربة البكتيريا النافعة التي وضعها الله في أجسادنا لأداء وظائف حيوية ضرورية للحياة، فيقوم هو بمحاربتها، فتعمل هي سلاسل بكتيرية لتقاومه، فيصبح لجهاز المناعة في جسم هذا المستخدم للمضاد الحيوي في غير مكانه، مقاومة لهذا المضاد، فيصبح المضاد مستقبلا غير مجدٍ حتى وإن احتاجه بشكل طبي صحيح -أي أصيب بمرض بكتيري- مما يضطر طبيبه إلى استخدام إما مضاد أقوى يحوي مواد تمنع المقاومة أو يستخدم نوعا آخرا وقد يكون باهظ الثمن.
وقد حدث هذا الأمر ذاته قبل عقد من الزمن عندما كان مضاد Amoxicillin يصرف للكثير من المرضى دون التحقق من مرضه، بكتيري أم فيروسي، مما اضطر شركات الأدوية إلى إضافة حمض الكالفولانيك Calvolanic acid ليتغلب على المقاومة البكتيرية، وهو بالطبع أغلى ثمنا.
مما سبق يتضح أن استخدام المضاد الحيوي بشكل غير صحيح يؤدي إلى ضرر على المريض، وخسارات على الحكومات، وأرى أن الطبيب هو المتحمل الأكبر لهذا الخطأ، فيجب على الأطباء ألا ينساقوا إلى طلبات ورغبات المرضى بهذا الصدد، إنما يبين لهم الفرق ودواعي الاستعمال للمضاد، وقد شاهدت بعض الأطباء يجهل هذا الأمر! وأرى أنه على وزارة الصحة إجراء دورات توعوية ولو قصيرة لهذه الفئة من الأطباء، ولا يمنع أن تكون هناك منشورات إرشادية للمرضى، خصوصا في هذه المواسم الباردة.
ختاما عزيزي القارئ لتعرف هل الالتهاب، بكتيري أم فيروسي، وفقا للقواعد العلمية Centor criteria، فإن الالتهاب البكتيري يمتاز بارتفاع شديد في حرارة الجسم، يقارب 38 درجة فأعلى، كما أن الالتهاب البكتيري لا تصاحبه آلام عامة في الجسم والمفاصل لكون البكتيريا متركزة في الجهاز التنفسي Localized، أضف إلى ذلك فإنك ستشعر بآلام في الغدد اللمفاوية تحت الفك «التي يسميها الناس خطأ اللوز»، كما أن الالتهاب البكتيري لا يصاحبه غالبا رشح في الأنف «زكمة» ولا سعال، ومن هذا تعلم أن ما أصابك غالبا فيروسي، والفيروس لا يحتاج علاجا خاصا، إنما بعض المهدئات لكون الفيروس يعالجه الجسم ذاتيا self-lemited، فلا تملي على طبيبك أدويتك أو أدوية طفلك، فالأطفال خصوصا يفضل تجنيبهم المضادات الحيوية قدر المستطاع لتطوير أجهزة المناعة لديهم، وتأكد هل مرضك فيروسي أم بكتيري؟ ولا تحمل نفسك أضرار المضادات الحيوية إلا في «الشديد القوي».