جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهل نجد، ثائر الرأس، يسمع دوي صوته، ولا يفقه ما يقول، حتى دنا، فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (خمس صلوات في اليوم والليلة)، فقال هل علي غيرها؟ قال: (لا، إلا أن تطوع)، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (وصيام رمضان)، قال هل علي غيره؟ قال: (لا، إلا أن تطوع)، قال: وذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الزكاة، قال هل علي غيرها؟ قال: (لا، إلا أن تطوع)، قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (أفلح إن صدق)، وقال عليه الصلاة والسلام كما في حديث عمر في قصة جبريل: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا).
هذا هو الإسلام الذي سمعه هذا النجدي ثائر الرأس، من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعزم على العمل به بلا زيادة ولا نقصان، فشهد له الرسول، عليه الصلاة والسلام، بالفلاح إن صدق، وهو الإسلام الذي بينه رسول الله في جوابه لجبريل عليه السلام، وهو الإسلام الذي عمل به المسلمون منذ أربعة عشر قرنا إلى يومنا هذا، وإلى أن تقوم الساعة، فما الذي جرى؟ من اطلع على كثير من المقالات والحوارات في وسائل التواصل وغيرها وجدها تتحدث عن تعاريف وتوصيفات حديثة للإسلام، وكأن الإسلام شيء جديد، أو أنه لم يتم بيانه من رسول الله، عليه الصلاة والسلام، وهذا أمر يجعل الإنسان يستغرب ويتساءل: هل هناك إسلام غير الإسلام الذي نعرف وهو (أركان الإسلام الخمسة)؟ والجواب: كلا، وإنما من أتى بأركان الإسلام فقد عمل بالإسلام، ولا حاجة للزيادات، وما لم يكن إسلاما في وقت النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا يكون إسلاما اليوم، فلا حاجة أن يقال: الإسلام اليوم- الإسلام القديم- الإسلام الشرقي- الإسلام الغربي- الإسلام الأميركي- الإسلام العربي... الخ، فالإسلام واحد، من عمل بأركان الإسلام الخمسة في أي عصر وفي كل مصر، فقد عمل بالإسلام، ولا حاجة للتكلف، فقد رفع الله عنا الآصار والأغلال، وشرع لنا دينا سمحا يسيرا، وفي الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إني أرسلت بحنيفية سمحة)، ومن لم يقبل سماحة الدين، وصار يزيد فيه، ويتنطع، فإنه هالك، برهان ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (هلك المتنطعون) قالها ثلاثا، فالإسلام سمح كله، وعدل كله، ليس هناك إسلام منحرف، أو إسلام متشدد، نعم قد يوجد مسلم -ما- لديه تشدد، أو لديه انـحراف، أما الإسلام فلا يقبل هذه القسمة والتشطير، والعقيدة الإسلامية يسيرة -بحمد الله- وسمحة، وكل ما زاد على العقيدة التي جاء بها نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فهو بدعة مردودة، وفي الحديث: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد).
ولعل من المناسب هنا أن أذكر أن أحدهم، وهو أكاديمي متخصص بالأنظمة، حدثنا قبل نحو عشر سنوات، فكان مما فهمته من حديثه، أن له زميلا غربيا ليس بمسلم، يعمل في التجارة والمال، وأنه قال لمحدثنا وهو يحاوره: أنا لو رغبت الدخول في الإسلام فإنني سأحتار: هل أكون وهابيا؟ أم شيعيا؟ أم صوفيا؟ أم تابعا للحركات الإسلامية وما أكثرها؟
فقال له محدثنا: أكيد ستكون وهابيا؟ فقال: ولم؟ فأجابه بما يفهمه من الأسباب المادية، قائلا: لأنكم معاشر التجار تحبون الربح الكثير، لا سيما إذا كان بعمل يسير، وما يسميه الخصوم بالوهابية: تمنع أي عبادة لم يفعلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل أربعة عشر قرنا، وتعتبر ذلك بدعة، وبالتالي لم تزد التكاليف الشرعية عندهم بمرور السنين، فالعمل يسير، ومع هذا الأجر فيها كبير، لأنها وفق السنة، بينما الآخرون زادوا عبادات وأعمالا ومواسم لم يفعلها رسول الله وصحابته، ولك أن تتصور حجم التكاليف إذا كان كل سيزيد في الدين، مع هذه المدة الطويلة أكثر من 1400 عام، ولهذا ترى منهم من يضرب نفسه في بعض المواسم حتى يدميها، ومنهم من جعل دينه الرقص والدروشة، ومنهم من يتعبد باحتفالات دينية لم يفعلها رسول الله ولا صحابته، وغير ذلك من الأغلال والآصار التي ما أنزل الله به من سلطان، وهي تخالف سماحة الإسلام، فقال: حسنا، هذا كلام مقنع، ولكن ما دام الوهابية كما تذكر تقتفي أثر النبي محمد، ولا تستدرك عليه بزيادة ولا نقصان، فلماذا اتفقت هذه الفرق والجماعات على الخصومة معها؟ فقال محدثنا: أنتم معاشر التجار لو عرض أحدكم ما لديه من تجارة بأرخص مما في السوق، وربما بالمجان، هل يقبله التجار الآخرون، أم يخاصمونه؟ فقال: بل يخاصمونه، لأنه تسبب في كساد بضاعتهم، فقال محدثنا: وهكذا من يسميهم أعداء التوحيد باسم (الوهابية)، دعوتهم للتوحيد الخالص تسبب كساد دعوة تلك الفرق، لأنهم يقولون للناس: ادعوا ربكم مباشرة بدون وسائط، فالله تعالى يقول (ادعوني أستجب لكم)، ويقولون إن من تتبركون بهم، وتدعونهم من دون الله ما يملكون من قطمير، فضلا عن غيره، والقطمير: وهو الغلاف الذي على نواة التمر، فالله تعالى يقول: (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير. إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير)، واتركوا التعلق بمن تسمونهم الأولياء، والسادة وغيرهم، فإنهم عباد أمثالكم، لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا، فضلا أن ينفعوا غيرهم، وهذا ما لا يرضي من يحب أن يتمسح الناس به، لأنه بذلك يفقد المال والمكانة، وينصرف الناس عنه، فلا يتبرك به أحد، ولا يدفع أحد له مالاً، وبالتالي يصبح كغيره، فقال: الآن فهمت، وإذا عرف السبب بطل العجب.