فيما يعد ارتكاب الأخطاء أمرا طبيعيا، بل إيجابيا أثناء عملية التعلم واكتساب الخبرات فالإنسان يخطئ ويتعلم منذ سنواته الأولى ليصل إلى سن الرشد محملا بحصيلة من الخبرات والتجارب التي صقلت شخصيته وحددت توجهاته، فيما تعترض هذه العملية الطبيعية جملة (زوجوه يعقل)، حيث تقال بكل استهتار ودون أدنى جهد أو تفكير من الناصح.

يظن الكثير من الناس أن أعظم مسؤولية -الزواج- سيغير من الشخص إيجابا.. قد يكون ذلك صحيحا في حال قرر (المجنون) أن يعقل، إلا أن العديد من (المجانين) يظلون على حالهم، بل يأخذون بيد العاقل -شريك الحياة- إلى عتبات الجنون معهم. بلا شك أن زواج الأشخاص الذين لم يتهيؤوا لهذه الخطوة سلبيات وأبرزها الطلاق.

وأريد اليوم أن أناقش سببا من الأسباب التي تجعل الشخص (المجنون) يستمر على ما هو عليه إلى أن يشاء الله. أثناء حديثي مع أستاذ علم النفس والمستشار الأسري الدكتور الحميدي الضيدان، عن أنسب عمر في نظره لزواج كل من المرأة والرجل، وضح لي نقطة جميلة غالبا ما نغفل عنها، ألا وهي اختلاف العمر الزمني عن العمر النفسي للشخص. ويقصد بالعمر الزمني «عدد سنوات عمر الإنسان»، فيما يعرف العمر النفسي «بالعمر الذي يتصرف الشخص تباعا له وينتج عنه ردود أفعاله وقراراته واهتماماته، فمن الممكن أن يكون هنالك شخص يبلغ من العمر 25 سنة، ولكن تصرفاته وقراراته واهتماماته تحاكي من في عمر الثامنة عشرة»، فالعمر النفسي معطى نسبي يتغير ويختلف من شخص إلى آخر.

حقاً، أذكر أنني كنت أملأ جيوبي بالحلوى وقطع السكاكر لكي أفطر بها في رمضان وأنا في طريقي إلى محل الألعاب لأشتري الدمى. كنت أشعر أنني ناضجة بمجرد بلوغي العشرين عاما وسفري لأميركا مع زوجي، إلا أن جميع تصرفاتي وأفعالي واختياراتي تنم على أن عمري النفسي في ذلك الوقت لم يتجاوز الخامسة عشرة.

يعد النضج مسألة مهمة جدا فيما يخص الزواج وأخذ قرارات مصيرية، فلذلك يتحتم على الآباء والأمهات توجيه أبنائهم بحسب أعمارهم الزمنية واكتشافها من ثم مراعاة أعمارهم النفسية. برأيي أن الشخص يصل إلى مرحلة النضج النفسي متأخرا إن لم يمر بتجارب أجبرته على اتخاذ القرار، واستخدام المنطق وأنواع الذكاء المختلفة، كالذكاء الاجتماعي والعاطفي، ومن أبرز التجارب التي قد تصل بالإنسان إلى النضج، الابتعاث والسفر والعمل التطوعي، كما يتحتم على الوالدين تربية أولادهم منذ الصغر على تحمل المسؤولية، كذلك إتاحة الفرصة لهم للقيام بالاختيار ثم تحمل تبعات ونتائج قراراتهم.

هنالك صورة نمطية شهيرة وهي أن معظم الأشخاص غير الناضجين كانوا مدللين، فلطالما سمعنا في الدراما الخليجية والعربية على حد سواء مشهدا يتكرر على الدوام (أنت خربتي الولد أو البنت بدلالك لهم). الدلال مطلب في التربية، بل يقرب الأطفال ويحببهم في آبائهم وأمهاتهم، وفي المقابل يشكل كل من الاعتدال والحكمة وتقييم المواقف وعدم الانصياع لجميع الطلبات أهم مقومات التربية السليمة. دللوا أبناءكم كما أردتم، ولكن لا تصنعوا منهم أطفالا كبارا ثم تزوجوهم ليعقلوا.