تغيرات وتطورات وهزات اقتصادية ومالية مرت على دول العالم في السنوات الأخيرة، ومن الطبيعي ونحن جزء مهم وفاعل في منظومة الاقتصاد العالمي أن نؤثر ونتأثر بكل تلك التطورات غير السارة غالبيتها، فسوق النفط والعملات والمعادن وبورصات الأسهم تشكل الجزء الأكبر من اقتصادنا، وما يحدث فيها من صعود أو هبوط يؤثر سلبا أو إيجابنا على أسواقنا الداخلية، سواء كانت تداولات الأسهم أو السلع الاستهلاكية أو غيرها، وهذا كله مررنا به في الفترات الماضية، ومازلنا، فمن انهيار سوق الأسهم وما صاحبه من خسائر، إلى هبوط أسعار النفط، إلى التغيرات، أو القرارات الأخيرة على الصعيد المحلي، والتي جاءت كضرورة ملحة وطريقة علاج لما سبقها من إشكاليات نظن أنها انتهت، لكن تبعاتها مازالت باقية، وتطفو على السطح من فترة لأخرى خالقة أزمات أخرى، لا ننكر أننا متأثرون كأسر وأفراد حتى لا يتهمنا البعض بالتنظير البعيد عن الحقيقة، لكن الحقيقة تقول إننا مع الأسف «أميين» اقتصاديا، ونجهل الكثير من حركات الأسواق والبورصات العالمية.

 ما نحسب أننا نعرفه بينما نجهل خفاياه هو ما يتردد عادة في الإعلام عن هبوط وصعود لأسعار النفط أو العملات والذهب، وقد يكون السبب في عدم المعرفة اعتمادنا لفترة طويلة على الدولة في توفير متطلبات المعيشة والخدمات الأساسية من كهرباء وماء وتعليم ونحوها، وكان ذلك متاحا في فترة ما قبل حدوث التقلبات الاقتصادية الأخيرة، والتي لم نستطع تجاوزها لأننا غير مستعدين لمواجهتها، أو لنقل وعينا الاقتصادي بسيط، بحيث لم يساعدنا في عملية الاستيعاب ثم التفكير في كيفية التعامل معها بما يقلل من تأثيرها علينا، ما تم تطبيقه الآن أو هناك نية لتطبيقه كفرض ضرائب أو رفع قيمة بعض السلع وفواتير الكهرباء والمحروقات، كل هذا مطبق في جميع دول العالم تقريبا الغنية والفقيرة غير أنها متعايشة مع الوضع وتراه طبيعيا ولا تشتكي، بل الأفراد والأسر متكيفون موائمون بشكل جيد بين مدخولاتهم المالية ومصروفاتهم وما يتوجب عليهم دفعه من ضرائب، وهذا المصطلح تحديدا لم نكن نسمع به إلا في المسلسلات والأفلام وفي نشرات الأخبار عندما يشار إلى محاكمة إحدى الشخصيات المشهورة في بلد ما بتهمة التهرب من دفع الضرائب.

وهنا تقع مسؤولية عدم الوعي الاقتصادي علينا كمجتمع ونحن نغفل أو نتجاهل المعلومات والدراسات الاقتصادية التي تناقش هذا المجال أيضا، الانتقائية في القراءة والتثقيف الشخصي، والذي ينصب على جانب معين دون غيره بحيث نحصر مفهوم الثقافة في مجال بذاته دون التوسع والتنوع فيما نقرأ وحتى ما نشاهده وفي أحيان كثيرة وأنت تقلب في المحطات الفضائية تمر على محلل اقتصادي يناقش ويحلل الوضع الراهن اقتصاديا غير أنك تتجاهل القناة مستبدلا المشهد بآخر، ربما مسلسل أو مباراة كرة قدم أو حفل غنائي.

 وتقع أيضا على بعض مؤسسات الدولة كوزارة التخطيط والتجارة والتعليم وحتى المالية والإعلام والثقافة، وكيف هي مسؤوليتها من حيث توجيه الوعي الجمعي لما قد يحصل مستقبلا والتدابير التي عليه اتخاذها، خصوصا وهي الأقدر على التنبؤ بما يمكن أن يحدث اعتمادا على ما لديها من دراسات وخبراء اقتصاديين يقرؤون المستقبل بتجرد بعيدا عن رسمه بألوان زاهية تقول إن المعيشة رغدة والدخل كبير والعقار والسلع إلى هاوية الانخفاض الذي طال انتظاره، وحتى لو سلمنا جدلا بمصداقية تلك التحليلات إلا أن الواقع يعاكس ذلك في ظل تنامي عدد السكان وحدوث اكتشافات جديدة لمصادر الطاقة، والتي ستحل بديلة للنفط، صحيح أن الدولة أدركت ذلك الأمر، وبدأت في خططها الرامية إلى إيجاد بديل عن النفط، وهذا الأمر يحظى بالاهتمام والمتابعة، وأحدث فارقا في ميزانية هذا العام قد لا يكون بالوضوح بحيث يمكن لنا التكهن بنسبته إلى عوائد النفط، لكن الاهتمام بهذا الجانب كبير جدا، وإن جاء كمرحلة علاج وليس وقاية، أي أن الأمر وقع بالفعل ولا مناص من تفاديه، ولكن حتى يكون هناك وعي مجتمعي يسهم في نجاح العلاج لابد أن نكون متكاتفين رحماء بتلك الفئة في المجتمع، والتي لا تعلم شيئا عن عجلة الاقتصاد ولا طاحونه، وهذا يتطلب تعاون الجميع بدءا من المؤسسات المعنية بموضوع التوعية وتبصير المواطنين بما هو حاصل وما يمكن أن يحصل مستقبلا، بحيث تكثف من برامجها الشارحة لكل خطوات التغيير، أيضا أجهزتها الرقابية عليها تكثيف مراقبتها للأسواق وضبط من يخالف برفع السلع، وحتى تكون العقوبة رادعة يشهر بالمحل أو السوق حتى يكون عبرة لغيره، وحتى يمكن للمستهلك أن يتعرف على المخالفين للنظام.

أيضا المواطن يتوجب عليه التنويع في مصادر المعرفة ليستطيع التعايش مع الأزمات وتجاوزها بفهم، كذلك الوعي بطريقة الاستهلاك وما هو ضروري من عدمه، وهذه إشكالية كبيرة نعاني منها، ثقافة التسوق لدينا مختلة، نكدس ما نحتاج وما لا نحتاج، قد يقول البعض كيف يمكن لنا بين يوم وليلة تغيير ما تعودنا عليه سنوات طويلة، لكن عندما تعي أن ما فرض وسيفرض من إجراءات سيصبح واقعا لا مهرب منه وأنت من بيدك تقبله والتعايش معه، بل والتغلب على ما يفرزه من إشكاليات، عندها سيكون البحث عن حلول هو بديل ضياع الوقت في حسابات نتائجها ستكون بالسالب.