دول العالم اليوم في سباق تاريخي وحضاري، فعند قيام النهضة الأوروبية الصناعية في القرنين الماضيين، تخلصت حكوماتها من كل العوائق التي تصدها عن تنمية بلدانها وشعوبها، وعلى رأسها عائق الفساد، وفي النصف الثاني من القرن العشرين لحقتها شعوب شرق آسيا بخطوات سريعة وعبقرية، بعد أن قضت على كل أنواع الفساد وتشكلاته المختلفة، واليوم نشاهد سباقا تنمويا في دول أميركا الجنوبية، ومن هنا كان التحدي بإعلان الرؤية 2030 للدخول في هذا السباق التنموي الحضاري العالمي، بقيادة الملهم الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، حفظه الله ورعاه. وحتى نسير وفق هذه الرؤية الوطنية العظيمة، علينا التخلص من أكبر العوائق التي تقف حجرة عاثرة أمام تنفيذ خطط وأهداف الرؤية، وكما فعلت الدول المتقدمة التي سبقتنا في تحقيق رؤاها الوطنية من التخلص من آفة الفساد، أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز قائد هذه النهضة المباركة بإنشاء لجنة عليا لمكافحة الفساد برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وعضوية رئيس هيئة الرقابة والتحقيق، ورئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، ورئيس ديوان المراقبة العامة، والنائب العام، ورئيس أمن الدولة. ولو بحثنا عن تعريف شامل للفساد، فهو إساءة استخدام السلطة العامة الحكومية لأهداف غير مشروعة، وعادة ما تكون سرية لتحقيق مكاسب شخصية، وتتغير أشكال الفساد وتتنوع حسب حاجات المفسدين، ما بين المحسوبية إلى الرشوة إلى الابتزاز إلى ممارسة النفوذ إلى الاحتيال على الأنظمة، إلى غير ذلك من أوجه الفساد المتعددة، وسنناقش في هذا المقال بعضا من هذه الأوجه، ومدى خطرها على الوطن والمجتمع. يكمن جوهر الفساد في حب الذات والأنانية المفرطة، من حيث تقديم المصلحة الشخصية على مصلحة الوطن، وكما هو معنون في المقالة، فإن الفساد يحرم الوطن من فرص عظيمة وخطيرة في التقدم، فهو كابح لأي عجلة تنموية، وذلك لأنه السبب الرئيسي في هدر الأموال العامة وضياعها دون وجه حق، وصرفها في غير مسالكها التنموية الصحيحة، وتكدسها في أياد معدودة من المواطنين، وحرمان الوطن من أصحاب المواهب الفذة والقدرات العظيمة والكفاءات النادرة، بسبب المحسوبية والولاءات الخاصة، ولذا يعد الفساد السبب الرئيسي في هجرة العقول الوطنية إلى الخارج.

فلو تحدثنا عن أثر الفساد في مؤسسات الدولة، فلا شك أنه ينخر في مؤسسات الدولة ويعطل الأهداف والخطط التي وضعت من أجلها، فيستنزف مصادرها، ويشل من قدرة المؤسسات الحكومية في تقديم الخدمات الصحيحة المنوطة بها للمجتمع، ولذا فتغلغل الفساد في الأجهزة الحكومية سبب رئيسي في تعطل التنمية في الوطن، بل ويؤدي إلى تراجعه أمام منافسيه.

كما يؤدي الفساد إلى إحداث خلل في اقتصاد الوطن، من حيث تسببه في حدوث حالات العجز المالي في ميزانية الدولة، كما يمتد تأثير الفساد إلى القطاع الخاص، بحيث يؤدي إلى زيادة كلفة العمل التجاري خلال الاتفاق مع الموردين على زيادة قيمة التوريد في فواتير الشراء عن القيمة الفعلية التي يتم تقاسمها بين طرفي الفساد في المنشأتين، وكذلك زيادة النفقات الإدارية غير الضرورية، إضافة إلى وجه آخر من أوجه الفساد وهو تغلغل العلاقات القوية بين بعض الشركات وبعض أصحاب القرار الإداري، مما يؤدي إلى إرساء المشاريع والمناقصات إلى هذه الجهات غير المستحقة، وحرمان الشركات التي تتمتع بالكفاءة والاستحقاق. هذه بعض صور وأشكال الفساد التي عانينا منها سابقا.

وأما اليوم، فبلادنا العظيمة تخطو خطوات قوية وجادة وصارمة للقضاء على الفساد بكل صوره وأشكاله، وتتجه إلى مصاف الدول المتقدمة بكل ثقة واطمئنان بفضل القيادة الحكيمة التي وهبها الله لهذا الشعب الكريم، وسنرى في المستقبل القريب -بإذن الله تعالى- المملكة العربية السعودية وهي النموذج الإنساني والحضاري الفريد بين دول وشعوب العالم.