تتوالد وتتكاثر هذه الأيام أنهار الأسئلة الشعبية المشروعة حول ضريبة القيمة المضافة، وبالطبع سنظل نسبح في هذه الأنهار لفترة ليست بالقصيرة. السبب الأساسي أنها تجربة جديدة، وسنكتشف أن الأيام حبلى بالكثير من الثغرات التي ستحتاج حتما إلى معالجات إدارية وقانونية. وحتى في الدول التي تكتنز خبرة طويلة في المجال الضريبي، تبقى الأفكار حول الضرائب من أكثرها جدلاً وقبولا للجرح والتعديل والحذف والإضافة. الضرائب بأنواعها المختلفة هي القوام الأساسي لبرامج الأحزاب للوصول إلى إغراء الناخبين.
ومن أغرب ما سمعت هنا، على سبيل المثال، أن يعتبر رجل أعمال هذه الضريبة القادمة من باب الزكاة التي وبحسب قوله، سيدفعها مضاعفة، متعللاً بأنها ستذهب إلى مصلحة الزكاة والدخل بوصفها الجهة التحصيلية لاستيفاء ضريبة القيمة المضافة. هو بمثل هذا التعليل ينبه إلى ضرورة وجود مصلحة جديدة للضرائب. وبالطبع لا بد أن أشير إلى أن ربطه الضريبة بالزكاة تعليل باطل تدحضه كل شروط تكييف الزكاة التي لم يترك فيها الإرث الفقهي ثغرة لشوارد الأسئلة. أكبر أسئلة الجمهور وأكثرها تداولاً ليس إلا غموض الدفع التكراري لهذه الضريبة مع السلعة الواحدة في كل منفذ بيع حتى الوصول إلى المستهلك النهائي. سأشرحه للتبسيط في المثال التالي: السيارة الجديدة تمر في أقصر طرق البيع عبر أربعة منافذ: الوكيل الحصري، ثم الوكيل الإقليمي ثم معرض السيارات وصولاً إلى الزبون المستفيد النهائي. وإذا ما افترضنا أن دفع القيمة المضافة إلزامي عند كل نقطة بيع فإن هذا يعني أن المستهلك الأخير سيدفع ما يصل إلى 20 % من قيمة السيارة في الأصل، كتكرار لتراكم قيمتها بعد الزيادة عند كل منفذ. وخذ بالقياس على ذلك المثال بقية المشتريات في حياتنا الاستهلاكية. بعض التقارير من السوق نفسه تشير إلى أن الكثير من المواد الغذائية تمر في المعدل بثماني نقاط بيع في الرحلة من ميناء الوصول حتى الحلقة الأخيرة في البقالة الصغيرة على ناصية الشارع العام، فهل سندفع في النهاية آخر 5 % منها عطفاً على قيمتها بعد تحصيلها لسبع مرات خلت؟ بعضهم يتحدث عن سلع استهلاك تتناقلها نقاط البيع لأكثر من عشر مرات قبل المستهلك الأخير، فهل هذا يعني أن هذا المستهلك سيدفع أكثر من نصف القيمة في النهاية لذات السلعة؛ باعتبار أن هذا الحساب التكراري يجعل من القيمة المضافة جزءاً من رأسمال السلعة؟ انتهت المساحة ولا زالت الأسئلة.