نجد الكثير يصفق ويحتفل بمن يتجاوز الخطوط الحمراء للقيم الاجتماعية أو الأسرية، خاصة من قبل بعض مشاهير وسائل التواصل الاجتماعي، وهم لم يقدموا شيئا سوى الوقاحة! أما البرامج الحوارية والدراما التلفزيونية فحدِّث ولا حرج! تدخل إلى منازلنا بكل أريحية، وتعرض قضايا ساخنة دون الاهتمام بأنها تخدش الحياء العام! الجرأة في الطرح تكمن في معالجة القضايا التي تهم المجتمع مع تقديم البديل وتسليط الضوء على الأسباب التي كانت وراء السلوكيات الشاذة أو السلبية، وليست في إدخال مواضيع ساخنة مع مناظر ومفردات صادمة لمجرد أنها تشد المتابع، وبالتالي تزيد في الأرباح!
نعم هنالك خوف، ومَن منا ليست لديه مخاوف يعيش معها، بل تتغلغل في داخل ذاته لدرجة أنها في أحيان كثيرة تمنعه من اتخاذ قرارات جريئة كانت ستغير مجرى حياته لو أنه لم يصغ إليها، وهنالك الخوف من المستقبل والترقب المستمر لما قد تجلبه إلينا الأيام، فإن خرج أحد الأبناء نظل في توتر حتى يعود، وإن شاركنا في مشروع ما يظل شبح الخوف من الفشل يلاحقنا، ويشوش على تركيزنا في النجاح والأهداف التي نسعى إليها، فإن كان موجودا ولا نستطيع أن نلغيه فلماذا لا نتعايش معه؛ بأن نتخذ القرارات الجسورة، ومن ثم اتخاذ الخطوات الجريئة في التنفيذ؟!
يقول أمبروز ريدمون إن «الشجاعة ليست غياب الخوف، بل الحكم بأن شيئا آخر هو أكثر أهمية من الخوف»، إن تعريف الخوف عائد إلينا، كيف نراه من الداخل؟ لأنه يمكن أن يكون عدوا، ويمكن أن يكون حليفا، هو عدو إن حال بيننا وبين تحقيق أهدافنا، وهو حليف إن جعلنا منه حافزا وتحديا يدفعنا إلى التقدم، وبما أننا لا نستطيع أن ننتصر عليه ونلغيه تماما فلِمَ لا نجعل منه جسرا يربط بيننا وبين ما نمتلكه من شجاعة، أو حتى خلق هذه الشجاعة في حالة غيابها، مجرد اعترافنا به وتقبله يعتبر الخطوة الأولى، ومن ثم يسهل علينا التحرك، وعليه ففي حالة التوقع نستطيع أن نخطط مسبقا ونضع البدائل، نحن خائفون، نعم، لكن على الأقل نحن جاهزون بعد أن خفضنا نسبة المفاجآت.
سأتحدث عن تجربتي الشخصية مع الخوف، حين طُلب مني مؤخرا أن أشارك على القناة الثقافية دخلت في حالة من الخوف، وكلما حضّرت شعرت بأنني غير جاهزة، وكالعادة تركت هذه المشاعر تنطلق وتأخذ مجراها لعلمي بأنني في نقطة ما سوف أجمعها وأستخدمها في مصلحتي، تخيلت السيناريو الأسوأ، ووضعت له الخطوات اللازمة التي يجب أن أقوم بها في حالة حدوث أي جزء منه، كل ذلك لعلمي بأهمية الأمر لما يحملّني من مسؤولية الكلمة أمام من سيدخلني منزله ويصغي إليّ، إنها مسؤولية أمام طالبات أعتز بهن، وأقدر نعمة الرحمن بأن أدخلهن في دائرة حياتي، لأنني أريد أن أوطد خيوط الثقة فيما بيننا لا أن أقطعها، ومسؤولية أمام كل من يقرأ لي كيلا يجد تعارضا أو أي خلل بين ما أكتب وبين ما أتحدث به، ومسؤولية أمام جامعتي وكل منسوباتها ومنسوبيها، كما هي مسؤوليتي أمام جميع أفراد مجتمعي وأسرتي، الآن تخيل أن يحمل الفرد كل ذلك وهو يخطو إلى داخل قاعة الأستديو؟ إن كان بدأ بخوف مع كل خطوة أصبح خوفه رعبا! ولكن ما إن جلست على المقعد حتى استرجعت كل ما حضّرت له، وأخذت نفسا عميقا أطلقت معه كل الشجاعة التي كانت في داخلي، ثم رفعت رأسي وابتسمت... فأنا الآن جاهزة لكل ما قد يأتي، فعندما نستدعي الشجاعة تأتي لتساعدنا في التعامل الإيجابي مع موجات الخوف حين تطفو على السطح، لأننا بكل بساطة نقول للخوف: كلا، لن أدعك تأخذني حيث شئت، أنا من أقرر، وبناء على ذلك سأتصرف!
نعود إلى الموضوع الأول؛ فالشجاعة ليست أن تتطاول، أو تستعرض عضلاتك، أو تتعدى على مشاعر الغير، وليست أن تخاطب الغرائز لدى القارئ أو المشاهد أو المستمع وأنت تراهن في الوقت ذاته على قلة الوعي أو الثقافة أو غياب المعرفة بالموضوع قيد النقاش أو العرض، وتدّعي حين تُسأل بأنك تصلح ليس إلا، أو أنك تنقل الواقع كما هو، وعليه فإنه ليس ذنبك، بل ذنب المجتمع الحاضن لهذه السلوكيات الشاذة أو الخارجة عن حدود آدابه، ولسان حالك يقول نصدم حتى يستيقظ المجتمع! إن الجرأة حين تتخلى عن مسؤولية البناء تصبح لعنة، وحين تهدم قيما، أو تشوش تفكيرا في قضايا هامة وحساسة، وتتلاعب بالغرائز، تصبح في خانة الوقاحة، وهي في ذلك أبعد ما تكون عن الشجاعة! أن تبني مجدك على حساب قيم وترابط مجتمعك، أن تبني مجدك على طوفان يضرب ببني جلدتك لتنجو أنت ويغرق الباقي، ليس مجدا بل هو عار سيلاحقك في حياتك وسيرتك بعد مماتك!