جاء خبر استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري من عاصمة القرار العربي الرياض، كالصاعقة السياسية التي امتد دويها ليشمل المحيط الإقليمي برمته.
قرار صادم وجريء بنكهة الاحتقان السياسي الذي تعيشه لبنان على امتداد الفترات الزمنية الماضية، أعقب هذه الاستقالة صمت ذكي انتهى بمقابلة تلفزيونية كانت كفيلة بوضع النقاط على الحروف، ودحر خيالات «احتجازه» المزعومة، ثم تلا ذلك زيارة خارجية إلى فرنسا كانت كفيلة بإنهاء موجة تشكيك مسيّسة، ووضع نقطة كبيرة آخر السطر. شدد الحريري على ضرورة خلق مناخ سياسي معتدل عنوانه العريض «سياسة النأي بالنفس»، ودان بصريح العبارة التدخلات الإيرانية السافرة في الشأن اللبناني، مؤكدا في الوقت نفسه أهمية الدور السعودي وأثره الإيجابي على لبنان. إن المتابع المحايد للشأن اللبناني يدرك تماما الفارق الجوهري بين إيران والمملكة العربية السعودية في تعاطيهما مع لبنان. ففي حين لعبت السعودية دورا مهما في دعم المسيرة الاقتصادية اللبنانية والحفاظ على وحدة لبنان، قامت إيران بزرع بذرتها الشيطانية في الجنوب اللبناني، لتثمر هذه البذرة حزبا شيطانيا يتجاوز ولاؤه الأراضي اللبنانية إلى دولة ولاية الفقيه في إيران. هذا النهج الإيراني الخطير، امتد أثره ليمسّ هوية المواطن اللبناني، ذاك المواطن المنفتح على الجميع والعابر للقارات، وجد نفسه أمام تحد يمسّ وجوده وتسامحه الفطري، إذ اختطفت ميليشيا الشر لبنان، وأعلنت نفسها امتدادا للمشروع الخميني الكابوسي في المنطقة العربية، ساعية بذلك إلى إلغاء القيمة والوحدة التاريخية للبنان، والممثلة في تعدد أطيافه ومشاربه السياسية.
ثمة فرق شاسع بين من ينهي الاقتتال الحزبي في لبنان، كما حدث في الحرب الأهلية اللبنانية التي انتهت بتوقيع اتفاق الطائف التاريخي، وبين من يسعى إلى إشعاله وإشعال المنطقة العربية برمتها، خلال عسكرة المنطقة وإذكاء الطائفية.
إن الجهود التي قامت وتقوم بها السعودية تجاه لبنان، ليست بدافع المنّة، بل هي «واجب الأشقاء» الذي تفرضه العلاقات التاريخية والانتماء العروبي، والمصالح المشتركة بين البلدين.
جاءت زيارة البطريرك الماروني مؤخرا كتأكيد باللون الفاقع على سياسة المملكة المنفتحة على كل أطياف لبنان، وحرصها على وحدته، عطفا على هذا كله يأتي دور العقلاء في لبنان لرسم مستقبله السياسي، فماذا سيختار اللبنانيون؟.