يمثل الشباب في مجتمعنا 60% من الإجمالي، ويشكل «العزاب» نسبة كبيرة، خصوصا ممن هم دون 22 عاما؛ ومازال مجتمعنا يعاني من عقدة هذه الفئة وينبذونهم، عندما يأتي هذا الأعزب البائس ليبحث عن كوفي شوب ليشرب كوب قهوة حرمته منه الغربة أو قلة ذات اليد، يفاجأ بكلمة طالما أزعجته ومن هو على شاكلته «المكان للعوائل»!
تجد المولات التجارية والمقاهي وحتى الحدائق تنتهج هذا المنهج، فلا يستطيع هذا المسكين أن يتسوق في المولات الفخمة، ولا أن يشتري من المحلات ذات الماركات ذات الجودة، ولا يستمتع بجلوس في حدائق راقية، بل لا يستطيع الاستئجار لنفسه في مكان جيد أو حتى متوسط إلا إن احتال «وتصدق» عليه أحد أقاربه بـ «كرت عائلة»، فيبقى المسكين مبعدا عن مجتمعه منعزلا هو ومن هو في حكمه..
يمشي في الشارع فتطاله نظرات الشك والريبة وكأنه شيطان، فزاده على همه شوبا من حميم!
وفي الحقيقة أنه غالبا ما يكون هذا «الأعزب» المنبوذ ضحية ظروف معينة، في مقدمتها الارتفاع الباهظ في «مهور الزواج» التي تصل أحيانا إلى 300 ألف ريال سعودي، وما يتبعه من «كسوة» وهدايا ما أنزل الله بها من سلطان، كما أن الحالة المعيشية التي ترتفع عاما بعد عام، وقد لا يقابلها ارتفاع في الدخل سبب رئيس لإحجام الشاب عن الزواج إلى أن بلغ عدد العوانس اللاتي لم يتزوجن إلى 1.529.418 من أصل 4.572.231 فتاة في تقرير أعدته وزارة التخطيط في يناير 2011، فما بالك بعام 2018.
ومن المحبذ أولا أن يوجد حل لهذا الإقصاء ذاته بغض النظر عن مسبباته، وأن يعاد النظر في هذا الوضع، وأن يسمح للشاب التمتع بما يتمتع به غيره من الناس من مرافق متنوعة، وأن يدمج في مجتمعه كأي مجتمع من مجتمعات الدنيا.
كما أن إيجاد حل للمسببات كالإحجام عن الزواج أمر مهم أيضا، فلنوجد حلولا للعنوسة كفرض مهور محددة، والحد من الاحتفالات الباهظة، وتقنين أسعار صالات الأفراح وخلافها، والنظر مع مشايخ القبائل لحل بعض العادات القبلية «المرهقة»!
إن دمج الشاب في مجتمعه أمر مثمر -وإن شابه بعض الإشكالات فأمر طبيعي لكونه أمرا جديدا على المجتمع- فمن ثمار ذلك اقتصاديا عندما يتوجه 60% من المجتمع «وهم الشباب» للإقبال على المرافق المتنوعة أمر سينعش الحالة الاقتصادية بشكل كبير. ومن نظرة نفسية إنتاجية فإن هذا سيزيح عن الشاب الأعزب كابوس العزلة، والسكن في أطراف المدن، وفي المساكن الأقل جودة، مما سيعكس إنتاجية في أداء الأعمال، وسيحد من حدوث الأمراض والأوبئة، ومشاكل القلق والاكتئاب النفسي الحاصل.
ختاما فإن علاج السبب ونتائجه أمر مطلوب، لا يمكن إهمال أي شق منهما، وإن كل أمر حديث سيسمى ربما «مخالفا» أو «حراما»، وستقشعر منه بعض الجلود وربما يحارب، لكنه ما يلبث أن يصبح أمرا مستساغا، وقد يصبح ضروريا في وقت من الأوقات.