المواطن البسيط ربما لن يفهم كثيرا في لغة الأرقام والمصطلحات التي وردت في موازنة المملكة 2018، ولكنه مهتم أكثر بترجمة هذه الأرقام بلغة بسيطة يفهمها، وقد يضيع ويتوه بين حجم الإنفاق وحجم الدين العام والفرق بين الواردات والإيرادات والإنفاق الرأسمالي، والإنفاق التشغيلي وعجز الموازنة، فالمواطن البسيط مطالبه واضحة وبسيطة أيضا، وتنحصر في إيجاد عمل له ولأولاده، ومقدار دخله الشهري «الراتب أو الأجر» الذي يتقاضاه، ومقدار ما يوفر له من حاجاته المعيشية ويغطيها، أي بمعنى آخر مقدار ما يشتري له هذا الدخل من سلع وخدمات، كالميرة والكسوة والإيجار والماء والكهرباء وغيرها.

ولكي نفهم سويا لا بد من التوضيح والتفسير، وهو أمر أحب التعاطي معه لأنه من صميم تخصصي في الاقتصاد السياسي، وسأحاول التبسيط وتناول المصطلحات التي تهم القارئ.

بداية فمفهوم الإنفاق هو من النفقة، وما ينفق ويصرف من الدراهم لأجل معيشة الفرد والأسرة التي هي نواة أي مجتمع، فيقال أَسْبَغَ لهُ النفقة أي «وسَّعَ عليه».

القيادة السعودية، وكما يبدو من خلال مفردات موازنتها الكبيرة التي شغلت وسائل الإعلام، والتي أعلنتها بكل شفافية، تريد أن توسع على شعبها، من خلال زيادة الإنفاق العام، وهو يتمثل فيما تصرفه الحكومة من معونات وخدمات مجانية ودعم، على سبيل المثال الدعم في الطاقة والكهرباء والماء والنقل العام، والتعليم والتأمين الصحي المجاني، وكافة الخدمات التي تسهل الحياة اليومية وتجعلها أكثر راحة ويسرا على المواطن.

وكذلك ما تصرفه الدولة من أموال على إنشاء وتحسين البنى التحتية التي تشمل الطرق والجسور والمدارس والمعاهد والجامعات والمراكز البحثية، والمستشفيات والحدائق العامة والمناطق السياحية، والقائمة تطول.

وكذلك دعم وتشجيع الاستثمار، من خلال توفير التسهيلات اللازمة للمواطنين والمستثمرين.

فكل ما تدفعه الدولة للقيام بعمل مجاني أو على شكل دعم حكومي للمواطن يعتبر إنفاقا حكوميا.

النفقات الرأسمالية هي المصروفات التي تنفقها الدولة على تطوير صناعات ومشاريع قائمة، أو خلق مشاريع وصناعات جديدة بما يلبي حاجات اقتصادية ومجتمعية.

النفقات التشغيلية هي الرواتب والأجور وتكاليف الأبحاث والتطوير والتسويق، وتدخل من ضمنها المواد الخام المستخدمة في الإنتاج.

الدين العام هو يمثل الأموال التي تقترضها الحكومة من الأفراد والمؤسسات لتكون رافدا وتمويلا مضافا لنفقاتها، وتكون على شكل سندات قابلة أو غير قابلة للتداول، وبطريقتين لا ثالث لهما، وهما إما أن تكون هذه السندات بالعملة المحلية وموجهة نحو المستثمرين المحليين «أفراد أو شركات»، وإما أن تكون بالعملة الأجنبية وتكون موجهة للمستثمرين في الخارج، وهي وسائل مشروعة تنتهجها الحكومات كوسيلة إضافية للحصول على أموال بهدف زيادة الاستثمار الاقتصادي، هذا هو ببساطة كل ما يمثله الدين العام «الحكومي» ويتم احتسابه بنسبة مئوية من حجم الناتج المحلي الذي يعكس صورة حقيقية عن مستوى معيشة الفرد.

إن حجم الإنفاق العام هو مشجع لمناخ الاستثمار وجذب رؤوس الأموال.

من الأمور التي تهم المواطن الفرد البسيط وتدعو إلى مزيد من الثقة والتفاؤل، هو ما ورد في الموازنة من التشديد والتأكيد على مواصلة العمل نحو التنمية «الشاملة والمتوازنة لكافة مناطق المملكة»، وعلى رأسها المبالغ الكبيرة التي خصصت لغرض الإسكان الاجتماعي.

إن كل ما ذكرته آنفا هي مؤشرات جيدة تدعو إلى التفاؤل والثقة محليا ودوليا، وهو سيترجم إلى خلق وظائف وأسواق عمل في مجالات جديدة ستؤدي إلى نقلة نوعية في سوق العمل، داخل المملكة لمواكبة هذا التقدم، فالموازنة الجديدة وبهذا الحجم من الإنفاق هي بالقطع ستوفر وتخلق الكثير من الأعمال والوظائف والاستثمارات، وستسهم في تراجع معدلات البطالة بشكل كبير، وهي كلها في المحصلة النهائية تؤدي إلى زيادة الدخل الحقيقي للفرد الذي هو الغاية والهدف. ولكن كل ما ورد في الموازنة من مشاريع ودعم جبار بهدف البناء والتنوع وزيادة الدعم للمواطن وللقطاع العام وقطاع الأعمال، هو يبقى ويظل نصف المعادلة والحقيقة ونصف الطريق، ولا بد لنا أن نتحرى عن النصف الآخر المكمل الذي يمثله المجتمع، وتقع على عاتقه المسؤولية بكل طبقاته وشرائحه الاقتصادية والاجتماعية.

إنها قاطرة تروم السير بالبلاد قدما، فإما يسير معها المجتمع ويتقدم معها بنفس الوتيرة، وإما يعوق ويبطئ مسيرتها، وهنا لا بد للمجتمع أن يكون على قدر مسؤوليته الوطنية، وهي بكل بساطة ووضوح، تترجم من خلال الإخلاص في العمل الجاد والبنّاء، والحرص على استغلال واستثمار كل الطاقات لأجل معادلة كفة الميزان الأخرى، مما توفره الدولة، وهذا لا يتأتى إلا من خلال العمل.

وهنا قد يسأل سائل كيف يتأتى لنا العمل بجد وجهد وإخلاص والمردود المادي لا يتلاءم مع الجهد المبذول، والجواب بسيط جدا، كلما كان الأداء مخلصا وكما يجب، سيكون العائد أكثر إيجابية، إننا نـحن المسؤولون أمام أنفسنا، وقبل كل شيء في تردي أجورنا وتدني مداخيلنا، فحين لا نخلص في عملنا سوف نؤدي وبصورة غير مباشرة إلى زيادة كلفة الإنتاج، وبالتالي لن يؤتي عملنا نتائجه المرجوة والمستهدفة، وهو ما سيؤثر سلبا على الاقتصاد، وبالتالي لن تتحسن بالنتيجة مداخيلنا، ومثله كصاحب حرفة بسيطة لو تقاعس عن أداء عمله أو قصر فيه سينعكس ذلك سلبا على أجره وما يتحصل عليه، العمل سواء في القطاعين العام أم الخاص يجب أن تحكمه نفس القيمة والمعايير، هكذا وبكل بساطة، التغيير يبدأ دوما من الأسفل ومن القاعدة التي قوامها الفرد.

ربما سمع البعض منا بمصطلح البطالة المقنعة، هي واحدة من أخطر المظاهر التي يعاني منها سوق العمل والاقتصاد عموما في البلاد العربية، ودون استثناء، وهي آفة كبيرة تعاني منها ثقافتنا الاجتماعية والاقتصادية، البطالة المقنعة هي أن نتقاضى أجرا لا نستحقه، على عمل لم نتقنه أو نتمه أو نخلص فيه، وبمثال بسيط إننا حين يتوجب أن نعمل لثماني أو عشر ساعات مطلوب أن نؤديها كما يجب، لتصل الخدمة أو السلعة كقيمة مادية ومعنوية إلى مستحقيها، الكثير من الموظفين والعمال يقضون ساعات من عملهم في قراءة الصحف أو الأحاديث الجانبية أو على وسائل التواصل وغيرها، وهو هدر للوقت والموارد البشرية، وحينها يبدأ التذمر من تدني الأجور وقلة فرص العمل.

البطالة المقنعة هي حين يؤدي عاملان عملا من الممكن أن يؤديه عامل واحد وبإتقان وهكذا، الدولة اليوم تسير على طريق الشفافية والإصلاح ومكافحة الفساد، والدور الآن على الفرد والمجتمع ليواجه مسؤولياته، ليتعلم الالتزام والتنظيم وإتقان العمل والإخلاص فيه، وفيما عدا ذلك سيكون هدرا للطاقات والوقت، فقاطرة التقدم لن تنتظر أحدا، وستخلِّف وراءها المتخلفون عن الركب.

لا بد من التأكيد على زيادة الوعي لدى المجتمع، لأجل فهم القيمة الحقيقية للوقت والعمل، فهما الطريق الوحيد لزيادة الإنتاج والتقدم والرفاه الاقتصادي، الدولة اليوم تمهد طريقا نحو الإصلاح، وتمد يدها نحو المجتمع ليسهم معها، وتضعه أمام التحدي، ليمد أياديه ويبادر، وكما قالت يوما أنديرا غاندي رائدة النهضة الهندية «لا يمكنك أن تصافح يدا مقبوضة».