تعيش المملكة العربية السعودية في هذا اليوم الأغر ذكرى عزيزة على نفوس أبنائها، وهي الذكرى الثالثة لبيعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ملكاً على هذه البلاد المباركة، وهي وإن كانت فترة قصيرة بحساب الأيام والسنوات إلا أنها طويلة ولا يمكن حصرها، بمقياس ما تحقق على أرض الواقع، فقد شهدت المملكة خلالها إنجازات جليلة تميزت بالشمولية والتكامل، لتشكل حقبة فريدة في بناء الوطن وتنميته، وهي مكتسبات لم تقتصر على جانب دون آخر، ولم تقف على مضمار بعينه، بل شملت كافة نواحي الحياة، بدءا من تطوير الاقتصاد وتحديث المجتمع، والتصدي الحازم لمخططات الطامعين، وردع كل من تسول له نفسه محاولة العبث بأمن الوطن واستقراره. كما اكتسبت بلادنا ولله الحمد مكانة فريدة بين الدول، وتبوأت وضعا يليق بها، وعززت موقعها كدولة قائدة ورائدة في المنطقة، لا يمكن تجاوزها أو تجاهل نظرتها للأوضاع، عربيا وإسلاميا.
وامتازت السنة الماضية بإعلان الدولة الحرب على كافة أشكال الفساد، المالي والإداري، والتصدي لمن اعتادوا نهب المال العام، والتعدي على أموال الدولة وتجييرها لمصالحهم الخاصة، وهي الخطوة التي قوبلت بتأييد منقطع النظير، ووقف وراءها كافة أطياف الشعب السعودي، مؤيدا ومناصرا، ذلك أن الفساد هو أكبر معوقات التنمية الشاملة، وأنه سبب لحدوث الغبن الاجتماعي، فهناك ممن اؤتمنوا على أموال الدولة وتحقيق مصالح المواطنين قد خانوا الثقة التي وضعت فيهم، ولم يقوموا بواجبهم، ولم تتجاوز نظرتهم ذواتهم الفانية ومصالحهم الضيقة، فكان أن فاجأهم سلمان الحزم بخطوة تاريخية، وهو يعلن أن المال العام خط أحمر، لا يُسمح لأي كائن من كان أن يتجاوزه أو يتعدى عليه، وأن كل من امتدت يداه لأموال المواطنين سيجد جزاءه الرادع وعقابه العادل، وفق ما ينص عليه القانون، ويكفله النظام للجميع من محاكمات عادلة تقوم على إظهار البينة أولا، ومن ثم تحديد العقوبة.
على الصعيد الداخلي أيضا تعددت المكاسب والإنجازات، فقد استمر العمل على هدي ما أفرزته عقول أبناء هذه البلاد المباركة، من خطة التحول الوطني 2020، ورؤية المملكة 2030، والبحث عن مشاريع واستثمارات غير تقليدية تمنح المملكة مكانها المناسب وسط الدول المتقدمة، فتفتقت العبقرية السعودية عن مشروع البحر الأحمر على شواطئ تبوك، وقبل أن يفيق المتابعون من دهشتهم فوجئوا بمشروع مدينة نيوم التي لا يوجد لها مثيل في المنطقة، وهي مشاريع تدل على تفكير غير تقليدي ورغبة في التميز.
وعلى الصعيد الاجتماعي قطعت المملكة شوطا بعيدا في تمكين المرأة، ومنحها الوضع الذي تستحقه، فمنعت التمييز السالب ضدها، وقضت بتمكينها للانطلاق في مجال العمل التجاري، والسماح لها بقيادة السيارة، كحق أصيل، وهي القرارات التي قوبلت بكثير من الترحاب والتأييد، داخل المملكة وخارجها.
كذلك واصلت القيادة الرشيدة دأبها ونهجها في العناية بعائلات وأبناء الشهداء والجرحى، الذين يذودون عن حياض الوطن، ويقدمون أروع صور الفداء والتضحية على الحد الجنوبي، ويبذلون أرواحهم في سبيل الحفاظ على راية التوحيد عالية خفاقة، ويروون بدمائهم الزكية تراب الأرض المقدسة، فكان أن قابل ولاة الأمر تلك التضحيات بالمزيد من الوفاء والتقدير، وأسهم ذلك النهج في مضاعفة جهود أبطال القوات المسلحة وكافة الجهات الأمنية المرابطة على ثغور الوطن، فلقنوا المتطاولين دروسا ستبقى مر الدهر، بعد أن سطرها التاريخ بمداد من نور، لتبقى دروسا تضيء الطريق أمام من يريد رد الجميل لبلاد الحرمين الشريفين ومهد الرسالة الإسلامية التي انطلق منها النور ليعم العالم كله.
أما على الصعيد السياسي الخارجي، فقد عززت المملكة مكانتها على الساحة الإقليمية والدولية، وأصبحت محطة لصنع القرار المتعلق بالدول العربية والإسلامية، ومقصدا رئيسيا لملوك الدول ورؤسائها، يقصدونها كلما حزبهم أمر أو تعقدت أمامهم مشكلة، فيجدون عند قادتها الرأي الصائب والقول السديد. كما باتت الرياض محطة رئيسية في تنظيم وتوجيه الجهود الرامية للقضاء على آفة الإرهاب، واحتضنت مقر التحالف الإسلامي لمحاربة الإرهاب، والمراكز الفكرية المتخصصة في مواجهته، مثل مركز اعتدال، ومركز الحرب الفكرية. وكذلك نجحت المملكة في محاصرة التدخلات الإيرانية في دول المنطقة، إضافة لتمسكها بالحفاظ على حقوق شعوب سورية واليمن وفلسطين، ومنع التعدي عليها ومصادرتها.
كل تلك المكتسبات ما كانت لتتحقق لولا أن منَّ الله على هذه البلاد بنعمة القيادة الرشيدة، التي استطاعت بحسن إدارتها وبصيرتها الثاقبة أن تتعامل بواقعية مع المعطيات الواقعية، ومتغيرات الأحداث، وأن تبتعد في ذات الوقت عن الخيال والتصورات الافتراضية، فكان أن أنتجت تلك الرؤية السليمة معادلة رائدة تتمثل في التمسك بالأمل والطموح، مع عدم إغفال الحقائق على الأرض، فكان الحصاد رائعا يتحدث عن نفسه ويعلن عنها، حيث انعكست واقعا على حياة الناس ومعاشهم، تطورا في كافة المجالات الاقتصادية، وأمنا يتنفسه المواطنون في وقت عزّ فيه الأمن وانعدم في كثير من دول المنطقة.
وبعد أن كان المستثمرون من دول المنطقة يهرولون نحو الولايات المتحدة ودول أوروبا، بحثا عن مناخ استثماري آمن يوظفون فيه أموالهم، باتت المملكة هدفا للمستثمرين، وتسابق أصحاب الأموال وتدافعوا لأجل أن يحظوا بفرصة للاستفادة مما أتاحته قيادة هذه البلاد، التي جمعت بين حكمة الشيوخ وحماس الشباب، والجهود الكبيرة التي بذلتها لاستكمال البنية التحتية، وتحسين البيئة الاستثمارية، وإزالة المعوقات التي كانت تحول دون تدفق رأس المال الأجنبي، والسعي الجاد لتوطين التقنية، وإقرار مشاريع مبتكرة ورائدة، تضمن أعلى العوائد، وفي نفس الوقت تسهم في إيجاد آلاف الفرص الوظيفية المتميزة للشباب السعودي.
كل كلمات التقدير والعرفان لن تكفي للتعبير عن الامتنان لقيادتنا الحكيمة، لكن لأن من لا يشكر الناس لا يشكر الله، فإن أوجب صور الحمد والشكر أن نجدد العهد والولاء للمليك المفدى، وولي عهده الأمين، في المنشط والمكره، وأن نبقى على العهد بنا دوما، جنودا لهذا الوطن المعطاء، وألا نتأخر في بذل المزيد مما يمكن أن يؤدي إلى رفعته وازدهاره، آملين من الله أن يديم علينا نعمة الحكومة الرشيدة، التي لا تتوانى عن تحويل أمنياتنا وطموحاتنا إلى واقع فعلي، نحياه يوميا على حياتنا ومعاشنا.