عطاف المالكي
قيل منذ زمن: قم للمعلم وفه التبجيلا.. كاد المعلم أن يكون رسولا
عبارة طُرّزت على لوحات منمقة فاخرة، وجدران مؤسساتنا الحكومية، نرددها كما تردد الببغاء العبارات البليغة ولا تفقه كنهها!
نقرؤها في المناسبات والمحافل العامة، أما الحقيقة الصارخة والفاضحة، عكس ذلك. فالواقع المزري يقول عكس التبجيل والاحترام!، ورغم هذه النظرة السلبية تجاهه، مطلوب منه المحافظة على صحة الطلبة النفسية والجسمية والدراسية، يقظا! يحلل ويعلم ويدرس ويطبب ويواسي، ومحيطا بكل فن ولون، لا ينفعل، خال من العيوب البشرية!. يهيئ نفسه لكل طارئ ليخرج منه ويستعد لأخرى، هكذا تخيلوه!.
أطلقوا على مهنته، مهنة من لا عمل له! ورغم ذلك وفي أسوأ الأحوال وأفضلها يتقمص الأدوار جميعها: العسكري والسمكري والحداد والمرشد والطبيب!.
ولو جربنا وعكسنا الأدوار، هل يستطيع الحداد والعسكري القيام بدور المعلم؟
الحداد له صنعة لبوس يتقنها جيدا، وهو الضرب من حديد ونار، كي يعدّل ما اعوجّ، فهو يتعامل مع آلة صلبة فاقدة الحواس، وخالية من أي شعور، بينما التعامل مع النفس البشرية يحتاج إلى فن وحنكة. والطامة العظمى، هناك من يسنّ منشار نقده ضد المعلم، وفي الوقت نفسه بعيد عن المهنة. مهمته الجلوس وراء الشاشة ليوجه نقده غير المنصف، وكأنه ينتظر أي زلة من المعلم! لا يتورع بتعميمه السلبي ضد كل من انتسب إلى هذه المهنة، ويقذفه بأقذع الألفاظ!
وأجزم أن أكثر الناقمين لو منحناهم شرف مهنة التعليم المقدسة والشاقة أسبوعا فقط، لن يصبروا عليها دقيقة واحدة. مهنة الجلد والتفاني والعناء لا يشعر بها إلا الذي مارسها!
يقف المعلم أمام طابور بشري من بيئات متباينة مختلفة، أتوا من كل فج عميق على صعيد مبنى ربما افتقد أبسط قواعد البيئة الصحية!
والمعلم عليه أن يتقبل -شاء أم أبى- أن يقضي ثلاثة أرباع يومه بين طلبته، وعليه تحمل المزعج والكسول والغبي، وأن يبدأ يومه بابتسامة عريضة حتى لو كان في قمة حزنه وألمه، يعطي بلا حدود، عدا الأعمال الأخرى التي أسندت إليه: مناوبة، ريادة، جمعيات، أنشطة أخرى، صفّية ولا صفّية، احتياط و.. و..و.. فهل نهضم حقه ونقول له: أنت عالة؟! يا له من ظلم بيّن.