في الدورة الأولى لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، التي بدأت قبل أربع سنوات، في أبوظبي، عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، شعر أغلب الحضور أن النجاح سيكون حليفا للمنتدى، وأنه سيزداد تألقا سنة بعد سنة، خاصة أن الظروف كلها مهيأة لذلك؛ فرئيسه شيخنا العلامة الشيخ عبدالله بن بيه، صاحب المناصب الوزارية المتعددة في موريتانيا، وأحد أكبر علماء السنة المعاصرين، وراعيه ومحبه صاحب السمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي بدولة الإمارات، وأمينه العام سعادة الدكتور محمد مطر الكعبي، رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بالدولة، والمتميز بالعمل في صمت، مع إنكار عجيب للذات، وخلفهم فريق طيب من الصادقين المخلصين، ضمهم بلد كريم مضياف..

الدورة الرابعة التي انتهت قبل أيام، ناقشت أمورا غاية في الدقة، وأعجبني أنه رغم سخونة المواضيع؛ إلا أن هم (السلم العالمي) و(قطع الطريق أمام التطرف) كان القاسم المشترك بين نحو 700 مشارك، من مختلف الأديان، والثقافات، وشدتني المصارحات التي سمعتها، وأهمها تلك المتعلقة بضرورة (ترتيب البيت الإسلامي)، والتي ذكرها معالي الشيخ ابن بيه، متعه الله تعالى بالصحة والعافية، في كلمته التأطيرية للمنتدى، وأنها الضامنة لهزيمة الفكر المتطرف، الذي يقدم الذرائع للكراهية والبغضاء..

خارج قاعة اللقاءات، تناقشت وصديقي نقاشا مطولا عن ترتيب البيت، ووصلنا معا إلى أن ترتيب البيت الداخلي للمسلمين، سيقضي حتما على قضية شيطنة المسلمين، والخوف من الإسلام. ولا سيما أن درجة الانحراف عن جادة الطريق السليم ليست بالبسيطة، وتحتاج إلى جهد مضاعف من الجميع، ولا يكاد يعذر منه أحد من المنتمين إلى المجتمعات المسلمة، والبيت المسلم بأفراده ومجتمعاته، في حاجة إلى التصالح الحقيقي، وفتح صفحات جديدة، متجردة من الغايات الشخصية، والأهداف التنظيمية..

عدم ترتيب البيت أسهم في أن تكون أفكار جيلنا الحالي ـ والكلام لصديقي ـ مشوشة، إن لم تكن ملوثة، بل إن بعضهم خالٍ منها؛ وبصراحة، وهذه حقيقة غير قابلة للشك، إن إهمال غالبيتنا للترتيب المذكور سلفا، أوقع من حولنا، عمدا، وربما بدون عمد، في حيرة كبيرة في حياتهم، فما عادت لديهم القدرة الكافية على التمييز بين الصادقين والكاذبين، أو المخلصين والخائنين، بل إنهم افتقدوا الارتباط بكثير مما لو عضوا عليه بالنواجذ، لعاشوا في سلام، مع أنفسهم، ومع الآخرين.

منتدى تعزيز السلم، يستحق أن تكتب عنه انطباعات كثيرة، ومن زوايا مختلفة؛ فليس معقولا أن يعيش الإنسان ثلاثة أيام حافلة بالنقاشات العلمية الغنية، ولا تتكون عنده عنها إلا الكلمات السابقات؛ وكل ما آمله قبل ختم المقال، هو أن يعمل العلماء، وطلاب العلم بشكل جاد من أجل تبصير غيرهم بدينهم، وأن يخمدوا نيران الفتن فيما بينهم، وبين غيرهم، وأن يتقاربوا، ليتآلفوا.