مازالت مراكز الرعاية الصحية تعاني من ضعف في الإنتاجية في ظل ضعف لياقة التنظيمات الإدارية المستمدة من المديريات - صحة عسير أنموذجا- والتي تركز اهتمامها فقط في «الحسم» على الموظفين والإيقافات، وإنه ليكاد ينحصر تطبيقهم العملي في لائحة تأديب الموظفين، فلا تسأل عن محفزات أو بيئة عمل مشجعة، أو حقوق في البدلات، بل اسأل فقط هل الأمور تجري بشكل صحيح أم لا!
وبدلا من أن يقابل هذا الخلل بالحل قامت مديريات الشؤون الصحية ببذل جهدها في تصيير الموظف جسما بلا روح بتفعيل جهاز «البصمة»، فالمهم هو أن تحضر وتنصرف في الوقت المحدد بغض النظر عن الإنتاجية والجودة، وليبق كل انتباهك أيها الموظف المرهق متعلقا بهذا الجهاز «الأصم»..
أما أنت يا أخي المراجع فعندما تتجول في أنحاء المركز الصحي -الذي يصل أحيانا إلى 4 طوابق «ومستأجرة»- تجد العيادات الفعالة تعد على الأصابع، بينما تجد اللافتات أكثر بكثير، أي بمعنى آخر مجرد لافتات على عيادات مغلقة لا تعمل، كعيادات تعزيز الصحة، وعيادات المسنين، وعيادات فحص ما قبل الزواج، بل وعيادات طب الأسرة الذي هو من صميم عمل المركز الصحي؛ تجدها فارغة مغلقة قد انشغل أطباؤها بأعمال «إدارية»، لا هم أجادوها ولا هم بقوا في عياداتهم التي كان بقاؤهم فيها هو الأجدى.
ومن وجوه الفشل الإداري في هذا الصدد أن تلزم الحوامل قبل إحالتهن إلى مستشفى الولادة بالمرور على العيادات الاستشارية - وهذا الأمر بحد ذاته جيد - إلا أنهن يفاجأن بمواعيد تصل إلى شهر أو شهرين في الوقت الذي تكون فيه الحامل قد شارفت على الوضع، فلربما كانت هذه العيادات الاستشارية المخصصة للحوامل تهدف إلى رعاية المولود بدلا من أمه الحامل! والسبب عائد إلى «نرجسية» الكثير من الاستشاريين الذين لم تعد ممارسة الطب مبتغاهم، إذ تشرئب أعناقهم إلى «الكراسي» الدوارة! فتجد أحدهم يزور عيادته في الشهر مرة أو مرتين، وكل مرة لا تزيد على أربع ساعات..
ومن المناحي المحزنة أيضا أن تتوجه إلى المركز الصحي فتجد مختبرا قد جهزته الحكومة بأحدث الأجهزة، ولكن المراجع يتفاجأ بكلمة «المختبر لا يعمل»، ويعزى ذلك إلى عدم توفر مواد أجهزة التحليل Indicators، أو إجازة «أمومة» منحت للموظفة التي لم يستطيعوا توفير بديل لها يغطي عملها المكشوف تماما، ولم تتخذ إجراءات تنظيمية تصحيحية لهذه الإجازات «الطويلة» جدا بهدف رعاية المولود الذي ترعاه الخادمات غالبا..
ومن حلقات سلسلة الفشل المتسلسلة أيضا حملات تطعيم المدارس التي تفتقر تماما إلى التنظيم الواضح والتنسيق مع إدارات التربية والتعليم، فلا جداول ممنهجة في المدارس المستهدفة تعمل، ولا حصر واضح لعدد المستهدفين، مما يهدر الكثير جدا من وقت الممارس الصحي، ويهدر أيضا الكثير من الجرعات التي تكلف الكثير، ولا إعلانات واضحة لأولياء أمور الطلبة عن أوقات هذه الحملات ليحرصوا على إحضار أبنائهم، ولا توعية للطلبة ولا معلميهم ولا أسرهم بماهية هذه التطعيمات ولماذا تعطى وما دورها.. مما سبق يتضح جليا ضرورة وضع آليات محددة، واضحة قابلة للتطبيق تقنن الإجراءات وتوضحها، وترك الاتجاه لضم القطاعات الصحية إلى إدارة المستشفيات، الأمر الذي لن ينجح في تحجيم عدد الموظفين أو تقليص الميزانيات، إنما سيكون دوره في جعل المثل العربي متمثلا في أرض الواقع «زاد الطين بلة»!