منذ استقلالها لم تعرف سورية وجوداً عسكرياً أجنبياً على أراضيها باستثناء الوجود العسكري الإسرائيلي في الجولان الذي يحمل صفة الاحتلال. وحالات أخرى من الوجود العسكري الأجنبي الشرعي الذي اقتضته اتفاقات التعاون العسكري بين سورية والاتحاد السوفيتي السابق وروسيا الفيدرالية من جهة، ومن جهة أخرى مقتضيات الصراع مع إسرائيل التي دفعت سورية إلى استضافة قوات عسكرية تابعة لدول عربية وأجنبية صديقة وحليفة لفترة مؤقتة.
وحدثت طفرة في الوجود العسكري الأجنبي في سورية خلال الفترة 2011-2017 وذلك على خلفية الأزمة السياسية الكبرى التي ضربت البلاد، وأتاحت مجالاً رحباً للتدخلات الخارجية الدولية والإقليمية والعربية وعلى نحو خاص منها التدخلات العسكرية التي لم تقتصر على تزويد الأطراف المحلية للصراع الداخلي السوري بالسلاح والعتاد والخبرات والمساعدات اللوجستية، بل تجاوزت ذلك إلى المشاركة العسكرية في الأعمال القتالية، وإقامة منشآت وقواعد عسكرية دائمة أو مؤقتة لا تحظى غالبيتها بالصفة القانونية أو الشرعية.
ومن أبرز الدول المشاركة في الصراع في وعلى سورية عسكرياً: روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأميركية وإيران وتركيا. ومن أهم القواعد الروسية في سوريا: قاعدة طرطوس البحرية، فمنذ عام 1971، تنتشر القوات الروسية (القوات السوفيتية سابقاً) في ميناء طرطوس البحري، في قاعدة تعتبر الوحيدة لروسيا على ساحل البحر المتوسط. وعام 2005، جددت روسيا هذه القاعدة، وأدخلت إليها معدات بحرية وبوارج، بعد أن أعفت سورية من دفع ديون تراكمت من عمليات بيع أسلحة لها. وتُعد قاعدة طرطوس ممراً حيوياً لتصدير السلاح الروسي إلى سورية، كما تُستخدم في تصدير أسلحة لبلدان أخرى.
وفي سبتمبر 2015، بنت روسيا قاعدة جوية خاصة في حميميم، في اللاذقية، وتنشر روسيا في حميميم مجموعة منوّعة من الطائرات المقاتلة ومنظومة صواريخ إس 400 الدفاعية المتطورة ومنظومة الصواريخ إسكندر-أم.
ومن هذه القاعدة العسكرية الدائمة أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، إنجاز مهمة القضاء على الإرهاب. وأمر بسحب الجزء الأكبر من القوات الروسية في سورية. وأكد أنه تمت تهيئة الظروف للتسوية السياسية في سورية. بل و«تم الحفاظ على سورية كدولة مستقلة ذات سيادة. ويعود اللاجئون إلى منازلهم. وتمت تهيئة الظروف للتسوية السياسية برعاية الأمم المتحدة».
وكان قد نشر بين 4 و5 آلاف جندي روسي في سورية خلال العامين الماضيين غالبيتهم في قاعدة حميميم. وتشير الأرقام الرسمية إلى مقتل 40 عسكرياً روسيا في سورية منذ بدء التدخل العسكري في 2015.
وسبق لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف القول في كلمة ألقاها في مؤتمر «منطقة حوض البحر المتوسط: حوار روما» الدولي الثالث: «نعتقد أنه بعد الانتصار على داعش، يجب على جميع القوات الأجنبية التي تنشط في البلاد من دون دعوة الحكومة الشرعية للدولة العضو في الأمم المتحدة، ومن دون تفويض مجلس الأمن الدولي، والذي كما نعرف لا وجود له في هذه الحالة، عليها الانسحاب».
بالمقابل، أعلنت فيه الولايات المتحدة أن القوات الأميركية باقية في قواعدها في سورية حتى بعد انتهاء داعش، وربطت وجودها بالحل السياسي في سورية، مدعية أن هناك تفسيرات لقرارات مجلس الأمن 2253 و2254 تعطيانها شرعية في وجودها.
وأعلن وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس أن هدف الوجود العسكري الأميركي طويل الأمد في سورية يكمن في الحيلولة دون ظهور نسخة مطورة من «داعش» مستقبلاً، وأن التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن لن يغادر سورية والعراق طالما أن مفاوضات جنيف، لم تحرز تقدماً، وأن مهمة القوات الأميركية، ستتركز في القضاء على «داعش» وتوفير الظروف المواتية للتسوية السياسية للأزمة السورية.
ويُعتقد أن ثلاث نقاط يعتمدها موقف الولايات المتحدة في أي مفاوضات تتعلق بسورية، هي: حدوث انتقال سياسي ذي مغزى؛ ووجود دور مهم للأكراد؛ وخفض الدور الإيراني في سورية.
وتبقى الإجابة على السؤال التالي: متى سينتهي وجود القوات الأجنبية في سورية؟ رهناً بتطورات الأزمة السياسية السورية الأساسية التي عمقتها التدخلات الخارجية، وليس فقط بالتمييز بين وجود عسكري أجنبي قانوني وشرعي ووجود عسكري غير قانوني وغير شرعي ويمثل قوات محتلة.
لقد أفضت ظاهرة العولمة وانعكاساتها على العلاقات الدولية إلى تقلص مفهوم سيادة الدولة إلى حدود ضيقة، وكذلك حال مفهومي الحدود السياسية والشؤون الداخلية أو المحلية. أي أن فرص التدخلات الخارجية ولاسيما التدخلات العسكرية في شؤون الدول باتت بلا حدود، وهذا ما جرى في سورية ودول أخرى.