في الشدائد والأزمات يعرف الإنسان مقدار قرابته من الناس ومحبتهم، فقد كانت الأسابيع الماضية أسابيع صعبة علي، كان المرض ذلك المجهول الذي يتركنا نمارس كل شيء ثم وبدون مقدمات يتركنا عاجزين في لحظات، لندرك مقدار الصحة التي كنا نستمتع بها دون أن ندري بأهمية أن نعيش معافين أصحاء، جُمل وعبارات ربما كنت أرددها وأكتبها لكن أنْ أستشعرها فهو شيء مختلف!
المعاناة التي عانيتها على السرير الأبيض لمدة ثلاثين يوما ليس من السهل وصفها أو الحديث عنها بشكل مفصل! لكن حسبي من ذلك كله حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) رواه البخاري.
وثمة مثل يقول: (الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى)، المرضى فقط هم من يدركون حقيقة الصحة ونعمة المعافاة، ذلك التاج الذهبي الذي نتبختر وهو يعتلي رؤوسنا دون أن ندرك ثمنه.
علمتني هذه الأزمة أن عائلة الإنسان هم من يستحقون أن يبذل عليهم الشخص الكثير من الجهد والوقت، ذلك أن الحياة في زخمها ومشاغلها تأخذ الكثير من الناس عن أولادهم بعيدا وهم في أمس الحاجة إليه.
لقد أجبرني المرض أن أتوقف عند محطات عدة، محاسبة النفس، النظر إلى من حولك، مراجعة المواقف والاستزادة من المعرفة من خلال القراءة والاطلاع في الكثير من الكتب التي كان الإنسان يؤجل القراءة فيها.
ولعلي أخرج من هذه الدوامة لأشرك القارىء في آخر ما قرأته من كتب خلال الأيام الماضية حيث قرأت كتاب الأستاذ ناصر الحزيمي الذي صدر عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر كتاب: (أيام مع جهيمان)، كنت مع الجماعة السلفية المحتسبة، وهو كتاب من القطع المتوسط يقع في 183 صفحة ويمكن قراءته في جلسة واحدة. ما يميز الكتاب هو لغته البسيطة التي تحملك إلى الحدث بأدق تفاصيله، واستذكاره للأسماء برغم حساسية الموضوع دون أن تدرك في ذكرها أي تنقيص أو اتهام أو إساءة، وهي مهمة صعبة استطاع فيها المؤلف أن يجتاز عقبة ألغام لا بد أن تجرح إذا لم تقتل!
الكتاب تميز أيضاً بقدرته الوصفية العالية والدقيقة لشخصية جهيمان التي مزجت ما بين الديني والقبلي والثوري والتي استطاع الكاتب أن يفصلها من خلال قربه من هذه الشخصية ويبين نقاط ضعفها.
كتاب من هذا النوع لا بد أن يكون عليه بعض الملاحظات التي تحتاج إلى مزيد من النقاش، فهناك تقسيمات في التيار الإسلامي لاسيما الإخواني (إخوان مسلمون) منها تحتاج إلى بسط وتفصيل لاسيما وأنها احتوت على أسماء كبيرة يصعب انتماؤها تنظيميا إلى هذا التيار.
كما ان الكتاب تجاهل شخصية رئيسية في الحدث وهي شخصية محمد القحطاني (المهدي المزعوم) من حيث التحليل والتعريف، حيث فضل المؤلف ذكر معلومات سطحية عنه برغم أنه بحسب رأي المؤلف عراب (رسائل جهيمان) الشهيرة! ربما هو نقص في المعلومة أو غموض في الشخصية التي لا تقل عن شخصية جهيمان. ولمعرفتي بناصر الحزيمي حيث قابلته ذات مرة في حوار طويل شيق امتد لساعات فإن لديه ما لم يقله حول تلك الحادثة الشهيرة.
الكتاب أهداه لي شقيقي الأكبر الدكتور محمد المشوح مع مجموعة من الكتب التي ما زلت أستمتع بقراءتها، ولكل حدث سلبيته وإيجابيته ولعلي أنظر الآن بعين إيجابية لفترة الانقطاع التي غبت فيها عن القراء لأسابيع، وإن أنس فلن أنسى أن أشكر ومن هذه الزاوية جميع الأحباب الذين سألوا عني، وكل البعيدين الذين قربهم مرضي فسمعت صوتهم بعد طول زمن واتصلوا بي من أماكن ودول بعيدة، إلى الأصدقاء القدامى الذين لم تشغلهم الدنيا وبعد المسافات عن السؤال.
إلى أصدقائي الأعزاء الذين غمروني بزياراتهم واتصالاتهم التي خففت عني الكثير.
إلى الجميع جزاكم الله خيراً، فقد كنتم خير معين.