كنا صغارا في المرحلة الابتدائية، نتعلم أحرف القراءة والكتابة، عندما دخل علينا ذلك المعلم يحمل كوبونا زاهي الألوان، وسألنا: من يريد منكم أن يتبرع بريال واحد لإخواننا الفلسطينيين وقضيتهم العادلة. كانت عقولنا صغارا

لا تعرف الجغرافيا ولا قضاياها، أما كلمة تبرع فكانت مصطلحا غريبا لم نسمع به من قبل. دفع كل طفل ريالا من مصروفه، وربما كان لتلك الألوان الزاهية دور في حماسنا ومبادرتنا.

كانت تلك الورقة تحوي صورة كبيرة لمسجد جميل المنظر، ومكتوب عليها من أجل فلسطين.

مرت الأيام، فأتقنّا القراءة والكتابة، وتعلمنا معهما أن هناك قضية عادلة لشعب تم اغتصاب هويته وأرضه. وبعد إتقان القراءة والكتابة كان مقرر التاريخ الذي أحببناه وقرأنا فيه عن حرب العرب ضد العدو المحتل، ومقتل أجداد لنا وآباء، ووقوع بعضهم في الأسر.

وأخبرنا ذلك التاريخ عن حرب التحرير، وكيف دعم الملك فيصل الجيش المصري وتحقيق نصر أكتوبر. ثم قرأنا مذكرات هنري كيسنجر، وهو يتحدث عن الأيام الصعاب عندما اتخذت المملكة العربية السعودية قرارا بمنع النفط عن أميركا نصرة لفلسطين. وما زالت الذاكرة تحمل في طياتها ذلك المشهد المهيب للفيصل، وهو يتمنى الصلاة والشهادة في قلب الأقصى. وعندما تقدم بنا العمر استوعبت عقولنا أن ضياع فلسطين لم يكن سببه العدو المغتصب فقط، ولكن كان انقسام أصحاب القضية هو حجر الزاوية في ضبابية الموقف، وتأخر استرجاع الحقوق المسلوبة.

جمعت المملكة العربية السعودية الفرقاء في أطهر بقاع الأرض، وأخذت منهم العهود والمواثيق على طي صفحة الخلاف والتوحد ضد المحتل، فما إن غادروا الحرم الشريف حتى نكثوا وحنثوا. تخلى الآخرون عن القضية وانشغلوا بأهوائهم ومآربهم، بل وتاجروا بها. وتبنت المملكة مبادرة السلام التي رفضها العدو المحتل، ثم عاد وأذعن لها مرغما في أن يكون للفلسطينيين دولتهم ومسجدهم. وعندما تقدم بنا العمر روينا لأبنائنا قبل نومهم قصص أطفال الحجارة، وكيف استشهد محمد الدرة، وعندما سألونا عن ذلك المسجد الذي لم يشاهدوه من قبل، ورأوا صورته على أوراقنا النقدية، أجبناهم: أنه مسجدنا في فلسطين. وعندما تمت محاصرة الفلسطينيين، هبّت المملكة حكومة وشعبا لجمع التبرعات وفك الحصار وإعادة الإعمار، واستضافت الآلاف منهم للعلاج في مستشفياتها، وعلى نفقتها.

ثم دأبت في كل موسم حج على استضافة الآلاف منهم لأداء فريضة الحج وزيارة الروضة المطهرة. وفي كل محفل من المحافل الدولية كانت قضية فلسطين هَمّ المملكة الأول وشغلها الشاغل. ثم تعجبنا ونحن نرى ردة الفعل على قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب وكأنه كان موقفا غير متوقع!

وهنا نسأل: ألم تكن أميركا عبر تاريخها داعمة للكيان الصهيوني منافحة عنه؟ ألم تستخدم حق النقض عشرات المرات لإجهاض كل المشاريع الاستيطانية للعدو المحتل؟ ألم تكن من زوّد الكيان المحتل بكل أنواع الأسلحة؟، وهل اتخذت الولايات المتحدة يوما قرارا كان في مصلحة فلسطين ضد إسرائيل؟، ثم ألم يتبنّ كل العالم المبادرة العربية في الرد على قرار ترمب؟، ولعلنا نذكّر هنا بمقولة الأمير تركي الفيصل، أن فلسطين لم تكن يوما ملكا لترمب ليقرر ما يكون بشأنها.

أخيرا، كانت وما زالت المملكة الداعم الأكبر والأول للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني، ولن يضيرنا نعيق العملاء، أو ضجيج الخونة.