يثير التعليم في كل فترة ضجة كبيرة من خلال عناوين مختلفة، فيقوم المعلمون في كل فترة بالحديث عن حقوقهم وحوادث نقل المعلمات، وما إلى ذلك من قضايا. في نفس الوقت ترد الوزارة بتعليمات كثيرة تفيد بعضها عن عدم الرضا بشكل عام عن أداء المعلم، وغير ذلك من تصريحات تزيد المعلم غبنة، مثل التصريحات الأخيرة عن تقصير المعلم وعلاقة ذلك بالفساد في التعليم. لا يمكننا وصف العلاقة التي تربط المعلم بالوزارة بالودية أبدا، فلغة الحوار والنقاش السائدة تقوم على التشكيك والاستياء العام، وهو ما لا يخدم الأمل بتطوير التعليم أبدا.

هذا التراشق العلني الذي يثار في التعليم السعودي يعني الكثير من الدلالات التي ربما من أهمها عدم وجود نظام محاسبية واضح يحكم الأداء لدى جميع الأطراف، من القيادة في الوزارة وحتى المعلم في مدارس القرى النائية. فلو وجد نظام تستدل به الوزارة بناء على معايير تقييم لأداء المعلم بشكل واضح، لأصبح من السهل عليهم تفادي التعميم في التصاريح، تحديد نقاط القوة والضعف السائدة في أداء المعلم السعودي، والأهم من ذلك عدم الاستناد على ما يبدو للمعلم سوى آراء شخصية جارحة تطعن في مهنيته واجتهاده. فالتصريح الذي يحوم حول عدم الرضا وتردي أداء المعلم، يبنى على أدلة ونتائج تقييم أداء بمصداقية عالية.

حتى وإن افترضنا تطبيق نظام المحاسبية على جميع الأطراف من خلال رخصة مهنية لقائد المدرسة والمعلم والقيادات في الوزارات، فمن باب العدل أن يتم الإعداد لرفع سقف التوقعات من خلال طرح برامج إعداد المعلم تبنى على معايير واضحة، فلا يظن المعلم أنه يجتهد ويتعب بناء على ما تعلمه في كليات التربية، بينما يعاتب في التصريحات الإعلامية لاختلاف معايير الأداء التي يتم النظر له من خلالها. كتبت سابقا في الدور المحوري لكليات التربية في مقالة بعنوان (الكلية التي ستصنع فنلندا جديدة)، حيث يجب وضع إستراتيجية جديدة ترتكز على رفع جودة برامج إعداد المعلم والقادة أيضا في كليات التربية، دون الاعتماد على دورات تدريبية متقطعة في بيئة مدرسية غير داعمة للتغيير، مما تؤدي عادة إلى ضعف الأثر المنشود أو انعدامه.

هذه العلاقة المتوترة بين المعلم والوزارة هي نتيجة طردية لمركزية قطاع تـجتاحه فجوات كبيرة تحول بين السياسات الصادرة وأرض الواقع في إدارات التعليم والمدارس، فإما يتم إعادة تصميم نظام لا مركزي يتيح للإدارات والمدارس اتخاذ القرارات التي تخصها بعد تطبيق برنامج لرفع الكفاءات، أو على الأقل عقد دراسات استطلاعية كافية توضح طبيعة إمكانات المدرسة وتوفر المصادر المادية والبشرية قبل طرح البرامج والمبادرات الوزارية.

التوتر والتراشق اللفظي في وسائل التواصل الاجتماعي ليس المشكلة بحد ذاتها، إنما هو أحد أعراض مشاكل كثيرة تتطلب الكثير من الوقت والجهد حتى يتم استرجاع الثقة لدى الطرفين. من أهم خطوات كسب الثقة فتح قنوات التواصل وعقد المزيد من اللقاءات بين الوزارة والإعلام، محاسبة التقصير ومكافأة التميز لدى العاملين في الوزارة والمدرسة على حد سواء، وتوضيح خطط الوزارة قبل التنفيذ بفترة كافية مع طرح فرص التدريب، والأهم من ذلك فتح المجال للحديث بواقعية عن سير التنفيذ بإيجابياته وسلبياته دون أي حساسية أو إحراج.