انتشرت حمى بناء الأبراج في الآونة الأخيرة بين رجال المال والأعمال في تنافس محموم وبارتفاعات شاهقة يعبر عن استعراض للقوة المالية التي يمتلكها هؤلاء الناس الذين أكرمهم الله بها. وأصبح عدد الأدوار والارتفاع هو المقياس وهو التفوق بحد ذاته، وهذا شيء طبيعي ومن حق كل إنسان أن يصرف أمواله بأي طريقة تعجبه.
ولكني عندما أشاهد هذه الأبراج العالية والمتعددة الأدوار أسأل نفسي هل في هذه الأبراج مكان للناس الفقراء؟ هل هذه الأبراج احتضنت بعض الأسر المعدمة ومسحت دموعها وأدخلت السرور على المحتاجين من الناس الذين يعيشون بيننا ويحلمون ليل نهار بمكان يأويهم لظروفهم الصعبة التي لا تمكنهم من امتلاك سكن يحتضن أحلامهم البائسة.
هل نسي هؤلاء التجار من كثرة الأموال والتفنن في عدها ومضاعفتها أن حولهم فقراء يحتاجون إلى مساعدتهم ومد يد العون إليهم، هل تجاهلوا واجبهم تجاه مجتمعهم؟ هل قاموا بما يجب؟ هل ردوا الدين لهذا الوطن الذي ساعدهم في جمع ثرواتهم؟ هل حاولوا بأموالهم رسم البسمة على شفاه المحرومين الذين صهرتهم ظروف الحياة القاسية؟ هل أسهموا في محاربة الفقر والجوع والمرض في مجتمعهم؟ هل قدموا للوطن ربع ما قدم لهم؟ هل لهم أياد بيضاء ولهم دور فاعل في قهر الجوع ومساعدة الأسر الفقيرة؟
الجواب نعم يوجد من رجال الأعمال -ولله الحمد- من يقدم ويبذل ويبحث عن المحتاجين بنفسه، ويشعرون بالسعادة عند تبرعهم للفقراء والمحتاجين، وهؤلاء نفخر بهم وتعرفهم ونقدر لهم جهودهم، ولكن أين البقية؟ فكم كنت أتمنى أن يكون في هذه الأبراج العالية والشاهقة مكان للفقراء، أو أن توهب بالكامل لمن يحتاج من الناس المعدمين وتسمى أبراجا خيرية، فهذا والله هو العطاء، وهذا هو العمل الخيري الذي يزيد في أموال صاحبه ويؤجر عليه في الدنيا والآخرة. فمن يبدأ في تحويل هذه الأبراج التجارية إلى أبراج خيرية أو التبرع بجزء منها فقط! ولنتذكر أنه من أفضل الأعمال عند الله إدخال السرور في نفس أخيك المسلم. دعوه للبذل والعطاء والإحسان ولو بالقليل يا من تمتلكون الكثير والكثير.