يعيش الإنسان في هذه الحياة وقد خُلق مزودا بجهاز عقلي يعطيه القدرة على التفكير والتذكر، والمهارات الأخرى، وما يميز هذا الإنسان هو قدرته على التكيف والمواءمة، لذا نجد الإنسان الكهفي ولد في ثقافة محدودة، تعبر عن الاستطعام من ثمار الأشجار، والصيد بالحيوان الجارح، أو بسهام اهتدى إليها بعد تفكير عميق، وكل ما يمكن أن يشغل حدسه هو التأمل في الطبيعة، وما وراء الطبيعة، وذلك في شكل محاولات، لفك رموز هذا الوجود في محدودية ثقافته، مع ممارسة الفطرة الإنسانية في التكاثر والازدياد. ولكن محدودية هذه الثقافة لم تستمر.
فقد ظهر الإنساني العصري، المزود بالجهاز نفسه، لكن تيارات عصره مختلفة عن الماضي.
ففي لمحة سريعة نستطيع القول: إن الإنسان لا يمكن أن يعيش بمنأى عن ظروف الحياة التي تحيطه. كما يمكن الإشارة إلى أن تعدد الثقافات، وتمازجها وتقبل أصحابها للآخر؛ جعلت الإنسان يستفيد من غيره.
وربما كانت محدودية هذه الثقافة في بعض الأحايين تلعب دورا مهما فيما يسمى بالاحتكار الداخلي المحدود. مثل بعض اللهجات، والعادات والتقاليد، وطرق العيش التي تشترك فيها بيئة لغوية واجتماعية معينة ومحددة، كما في بعض القبائل، داخل المنطقة الواحد في الدولة الواحدة، وربما هي السمة التي تعرف في الثقافات المحلية باسم عادات القبيلة.
هذا فيما يشمل الثقافة داخل الإطار الاجتماعي الواحد على مستوى البيئة المحدودة، لكن الإنسان كونه عالميا بتفكيره خرج من هذه الحلقة، محتفظا بخواصه الاجتماعية، لينصهر مع حلقة وبيئة اجتماعية فكرية أكبر، فكّون بهذا الانصهار سلسلة ثقافية متعددة الاتجاهات.
إن إيجابية الإنسان تجعله يقع في خانة الإشارة الموجبة، التي تقبل مضاعفات أي ثقافة أخرى، آخذًا ما يناسبه وما يطور ثقافته، وتاركًا ما يراه غير متصل بها، ولك أن تتخيل أن هذه السلسة الثقافية التي منشؤها الفرد الواحد، امتدت لتشمل الانفتاح على ثقافات أخرى، ممارسة بذلك الدور السلمي الذي عُرف بالإجابية الإنسانية.
فلولا قبول الآخر وثقافته، لما تقبلنا مذاق الطعام الهندي الذي أسر القلوب، ولتأخرنا كثيرا عن العالم في حين رفضنا الدخول في عالم الكومبيوتر الياباني الذي جمع العالم تحت سقف واحد.
ولظلت حياتنا في تصّوف بعيدٍ عن راحة القطن وسلاسة الحرير وديباجه، فضلا عن سلسلة المؤلفات التي سبرت أغوار المعرفة في الحياة الإنسانية، والتراث الفكري الضخم الذي توارثته الأجيال، فكل هذا الكم الهائل يعد شيئا بسيطا في عالمنا المتعدد الثقافة في مناحي الحياة المختلفة. إنه بحق عالم مدهش!.