فيما يتميز عالمنا اليوم بالتقنيات الحديثة التي تمتاز بالسرعة والفاعلية في مختلف المجالات، يتساءل الكثيرون عن دواعي الذهاب إلى دور العرض فيما يستطيع الشخص أن يشاهد ذات الفيلم في منزله دون تكبد عناء الخروج من المنزل ومجابهة زحام شبابيك التذاكر. فما الأمر الاستثنائي الذي يتوفر في هذه الصالات ولا يتوفر في منازلنا؟

هل هي الشاشة الكبيرة أو أنظمة الصوت الحديثة أم التقنيات الثلاثية والرباعية الأبعاد؟ ربما جميع ما سبق إلا أن هنالك أبعادا ليست ثلاثية أو رباعية إنما سيكولوجية (النفسية) مرئية وغير مرئية. إن الأبعاد السيكولوجية لمشاهدة فيلم في السينما تختلف كثيرا من تلك التي يختبرها الشخص حين جلوسه أمام شاشته المنزلية أو الحاسوب.

فعندما تريد (الذهاب) إلى فيلم في السينما فستكون على الأغلب رحلة جماعية برفقة أشخاص مقربين، يختبر الشخص أثناء عرض الفيلم المحيط العام وآراء وتفاعل الحضور مع المشاهد المختلفة، فإما أن يحاكي ردود الأفعال أو أن يحلل عناصر ذلك المشهد المؤدي إلى رد الفعل، وذلك شعور فطري في كل إنسان، وهو الانتماء إلى المجموعة، كما أن الشخص يخرج بتجربة متكاملة وتصور جيد وقوي عن الفيلم نظرا لعدم وجود أمام نظره سوى الشاشة.

أيضا في ذلك ناحية في غاية الأهمية وهي تنمية واختبار الذائقة العامة للمواقف المختلفة، فمن خلال عملي في الكونجرس الأميركي الإسلامي، وهو عمل حقوقي وسياسي، دعيت مرارا كناقدة (critic) لحضور عروض سابقة للعروض الأولى لأفلام هوليوود بغية قياس وأخذ آراء شرائح مختلفة ضمن مجالات معينة، باختبار ملاءمة بعض المشاهد للذائقة العامة، فقد تكون مواضيع ذات طابع سياسي أو حقوقي... الخ.

وجدت أن النقاد غالبا ما يتفقون على حذف جزئية معينة من مشهد أو حوار باختلاف ثقافاتهم وأديانهم. إن النسخة النهائية من الفيلم تقدم إلى العالم لتؤثر به، فأي فيلم يحوي رسالة ما أعدت بعناية متناهية التفاصيل مسبقا. فما فائدة كل ما سبق من كلامي؟ إن قرار إتاحة دور العرض في المملكة من شأنه تنمية وفتح مجالات جديدة كمجال صناعة الأفلام السعودية والمنافسة على نطاق عالمي، فليس من المستبعد أن نرى تخصصا في جامعاتنا عن علم صناعة الأفلام والسينما (Cinematology& Filmmaking)، وتباعا جميع الفنون كالمسرح والتصوير والمكياج السينمائي... وما إلى ذلك.

إن صناعة الأفلام السعودية ستتعدى محيط صالات العرض إلى صناعة صورة نمطية حديثة (stereotype)، واستبدال تلك الصورة النمطية القديمة التي صنعها غيرنا عنا، حيث إن آراء الشعوب تصقل عن طريق الإعلام والفن، وهذا ما سيكون، بإذن الله، فلا مزيد من الانطباعات المغلوطة عنا -كنمط المعيشة الصحراوية غير المتحضرة والمحاطة بأموال النفط- ما زالت رؤية 2030 تبهر وتغيير منظور العالم أجمع عن المملكة وأبنائها من سنواتها الأولى. فلنعكس حقيقة ثقافتنا الطيبة للعالم، ولنصنع مستقبلا أمام أعين أطفالنا ليشاهدوا ويشيدوا وطنا لم يسبق له مثيل.